الزمن لا يعود إلى الوراء
بسام هاشم
رغم أن النيران اشتعلت بالجميع، ورغم أن الحرب على سورية لم تعد تحتاج إلا إلى الإعلان رسمياً عن نهايتها، إلا أن هناك من لاتزال تحكمهم روح الحقد والثأر والثقافة السياسية البائدة.. وقف هؤلاء ضد سورية لأنهم راهنوا على التربّح من العمل كوكلاء إقليميين رخيصين في خدمة المصالح الغربية، وخمّن بعضهم أن “القصة” لن تعدو كونها نزهة قصيرة سوف يخرج منها شريكاً بالانتصار.. المؤسف، ولربما المثير للهلع، أن شعوب المنطقة كانت مجبرة يومياً، وطوال ما يزيد عن تسعة أعوام، على لعب دور الشاهد السلبي في مسلسل رعب أدركت متأخرة أن أياً منها كان يمكن أن يكون الضحية فيه، وأن المسألة مسألة “دور”، وانتظار، لا أكثر.. والأشد أسفاً أن هذه الشعوب باتت اليوم شبه عاجزة عن الثورة إلا في سبيل شعارات ومطالب مشبوهة، أو موجّهة عن بعد، أو على الأقل مشكوك بأمرها!
عملياً، لم يبق من الحرب على سورية إلا السير في الإنجازات الميدانية التي سجّلها الجيش العربي السوري إلى نهايتها، بمعنى أن أحداً لم يعد ينتظر أي انقلاب في موازين القوى، أو انعطافة في سير الإجراءات القتالية.. لقد حسم الأمر بالتأكيد، وانتهت العمليات القتالية الرئيسية، وإذا كان لابد من حديث، أو حوار، أو حتى ثرثرة تفاوضية، فعلى شيء واحد فقط، وهو إلقاء المجموعات الإرهابية للسلاح، ورجوع الإرهابيين الدوليين إلى بلدانهم الأصلية.. حتى الوجود العسكري التركي لن يكون له أي مستقبل مهما ألهبت الأطماع العثمانية مخيّلة أردوغان المريضة، ولن يفيد الانفصاليين تواطؤهم مع الحلف الأطلسي، ولا ارتماؤهم في أحضان القوى الأجنبية، فسورية عائدة بقوة، وأنموذج سورية بعد الخروج من الحرب هو الذي سيحدّد للمنطقة معالم مستقبلها.
مناسبة هذه المقدّمة، تلك الأصوات التي ترتفع اليوم بحيث يتهيأ للكثيرين وكأننا أمام نقطة انطلاق جديدة، أو أن الحرب بالكاد بدأت لتوّها، وأن لا منتصرين – بالتالي – ولا مهزومين، بل وكأن “فينيق” المعارضة المرتهنة للخارج بدأ ينهض من رماد العمالة: حملات إعلامية لا تهدأ، وتسريبات متواترة ومنتظمة، وتقارير صحفية موزّعة على المنابر السعودية والقطرية والتركية خاصة، وتهويلات وأضاليل لا تلقي بالاً للتكذيبات الرسمية الروسية، وليست مستعدة لسماعها أصلاً.. بل وهناك من يفرك يدية استعداداً لـ “أوامر مهام” و”تكليفات” منتظرة.. لقد أزفت الساعة!!
يصرون على أن حدثاً جللاً ما قد “وقع”، وأن الكأس قد “فاضت”، وأن التحالف السوري – الروسي
وصل إلى نقطة الافتراق، ويراهنون على أن شيئاً ما حدث، أو لابد أن يحدث – بالتأكيد!! – في لحظة ما، في نقطة ما، في موقف ما، إذ لا يمكن لذلك التاريخ العريق من العمالة السافرة والمأجورية الصريحة – تاريخهم – أن ينتهي إلى الفراغ والعدم!!
أساس تفكير هؤلاء أن الزمن يمكن أن يعود إلى الوراء، وأن الوقائع على الأرض يمكن أن تلغيها – هكذا!! – التهيؤات اليائسة لـ “معارضة” أفلس رب إرهابها، وانتهى به الأمر إلى التضحية بها والمساومة عليها.. ولكن الحرب الوطنية ماضية – على اختلاف أشكالها وأدواتها – حتى تحقيق هدف وحدة التراب الوطني وبسط سيادة الدولة السورية على أراضيها كافة، وهو الهدف الذي يتعيّن على الجميع أن يفكّروا بـ “ما بعده”، وليس بـ “ما قبله”؛ بمعنى أن أية حسابات سياسية مستقبلية – لهذا الطرف أو ذاك – إنما يجب أن تنطلق من اعتبار استحقاق التحرير الكامل منجزاً، وأن لكل إنجاز رجالاته المؤتمنين عليه، والذين سيتعيّن عليهم النهوض بمسؤوليات حمايته طالما هناك من يتربّص به، أو يتهدّده..!!
يبقى أن على أردوغان والأردوغانيين، والمروجين للتقارير الكاذبة والمفبركة، أن ينتظروا – في أحسن الأحوال – تقاعد نهاية الخدمة.. أما الأسوأ – الذي ينتظرهم – فلا يمكن توقّعه، ولا التكهن به، لشدة سوداويته وقتامته!!