في الضحك على اللحى
د. عبد اللطيف عمران
لم يأتِ من فراغ تواتر التلفيقات التي تتضمن فبركة أخبار كاذبة بشأن التباين في وجهات النظر بين القيادتين السورية والروسية مؤخراً، ولاسيما في المجالين الميداني والسياسي، ووصول هذا التباين إلى حد الخلاف.
هذه التلفيقات مفبركة، ومدروسة مسبقاً، ومتخيّر وقتها بدقة، وهي ليست تسريبات أبداً لأنه لا حقيقة مخفيّة أو ظاهرة وراءها.
لاشكّ في أن أطراف التحالف الدولي المعادي لسورية ولأصدقائها وحلفائها ينتهزون الفرص للاستثمار في نشرها بعدما أقضّ مضاجعهم، وقوّض خططهم استمرار التنسيق السوري الروسي ونجاحه في إلحاق هزائم عديدة ومتنوعة بتلك الأطراف وأدواتها وأهدافها.
فلا غرابة في تلك التلفيقات، وهذا الانتهاز، وذلك الاستثمار بشأن القيادة السورية إذ لاشيء جديداً بعد تسع سنوات من العدوان الضاري على الشعب والدولة، أما الجديد فهو ما يبدو بشأن روسيا التي تحقّق نجاحات متواصلة على المستويين الإقليمي والدولي مقابل تعثّر الغرب وتقهقره وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي استهدفت روسيا بالعقوبات، وبالنفط 000 إلخ ففشل الاستهداف وازداد حضور روسيا وتأكد ذلك في مختلف المجالات وربما آخرها في التعامل المحلي والعالمي مع وباء كورونا0
فكان، من بعض ما كان، استهداف روسيا إعلامياً بموجة عامة وعارمة من التزييف والفبركة والتضليل فنّدتها بالأمس المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بقولها: “خلال الأسبوعين الأخيرين ثارت موجة جديدة من التضليل ووباء الأخبار الكاذبة حول روسيا”.
ومن ضمن هذه الموجة كان اختلاق تحليلات واهية وأخبار زائفة عن تواتر الخلاف بين القيادتين السورية والروسية وتصاعده وهذا ما لم تقم له الميديا السورية أي وزن، في وقت تصدّت له القيادة الروسية بأرفع مستوياتها في الكرملين والخارجية وكذبته.
ولاشكّ أيضاً في أن تلك التلفيقات والفبركات لها أكثر من دافع، إضافةً إلى ما ورد أعلاه، فمن بين هذه الدوافع قلق أطراف التحالف المعادي لسورية من فشل أهداف عدوانهم الذي استنزفهم – كما استنزف سورية – بعد تسع سنوات من الحرب، وفي الوقت نفسه سقوط رهانهم على المأمول من العصابات الإرهابية المسلحة وعلى المرتزقة والمأجورين من الذين ارتموا في أحضان البترودولار ومخطّطات التفتيت والتقسيم والتطبيع البائسة والخائرة.
فهؤلاء يرون في هذه التلفيقات نوعاً من ضخّ الدماء في عروق تلك العصابات الإرهابية ومعها معارضة البترودولار بعد أن أنهكها انتظارها من جهة، وانتصارنا من جهة ثانية، ولم يبقَ لها من وظيفة ما يفرض الخلاص منها، إما بالذهاب إلى القتال في ليبيا أو الانتحار المجانيّ في جحور المناطق الساخنة والتي ستكون باردة قريباً، إنّه التغرير بقصد الهلاك، وتاريخياً طريق العميل مسدودة، وأيامه معدودة، إذ لا مصلحة لسيّده إلا في الإجهاز عليه بعد حين.
هذا من جهة، ولكن من جهة ثانية –إذ لا بدّ- فقد تخيرت تلك الأطراف وقتاً مناسباً لتأثير تلفيقاتها في الرأي العام، وقتاً تعثّر فيه أداء بعض المؤسسات الحكومية في معالجة موجة ارتفاع الأسعار وسوء توزيع مواد مستلزمات الحياة، حيث رأى البعض أنّ موقف هذه المؤسسات كان أحياناً موقف المتفرج، وأحياناً أخرى موقف السمسار لا أكثر، مع ما فات إدراكه لدى هذه المؤسسات من أنّ أعداء الشعب والوطن الذين هم أعداء الدولة والنظام السياسي ينتظرون ذلك ليكون فرصة يستثمرونها، مقابل غضّ نظرهم عن نجاح أغلب المؤسسات في مواجهة التحدّيات التي أفرزها العدوان الطويل المستمر، وكذلك العقوبات والحصار، إضافةً إلى التعامل الناجح مع وباء كورونا.
واهمّ من يظنّ أنّ المنتصر في هذا المعترك المصيريّ الصّعب بصمود الشعب والجيش خلف حكمة القائد وشجاعته سيعبأ بهكذا تلفيقات، لأنها لن تكون قادرة أكثر ممّا سبقها على إضعاف منعة الشعب والدولة.
إذن: إنّها تلفيقات فاشلة مسبقاً، وهي ليست أكثر من ضحك على لحى المأجورين وعبث بها وبهم بقصد التغرير بهم والتخلص منهم، وربما تكون هذه من بين الأسهم الأخيرة الخائبة في كنانة المشغلين والداعمين… وسابقاً والآن نقول بثقة وأمل: إنّ غداً لناظره قريب.