الأول من أيار: منارة شامخة في مسيرة النضال العمالي العالمي
إبراهيم أحمد
الأول من أيار تقليد ثوري من تقاليد الحركة العمالية، ورمز لتضحيات الطبقة العاملة عبر التاريخ، وتخليداً لشهدائها، وتعبيراً عن الوحدة الكفاحية لقوى الحرية والتقدم، وتأكيداً لثقة هذه القوى بنفسها وقدرتها النضالي، واعترافاً بدورها التقدمي التاريخي في نهضة الإنسانية. فعلى الرغم من المتغيرات الكبيرة التي شهدها العالم، وما تعرّضت له الحركات النقابية في العالم من تراجع لدورها، فإن الحركة النقابية في سورية، وبحكم إرثها وتاريخها النضالي الوطني المشرق ازدادت قوة وتعززّ دورها ومكانتها، مجسّدة نضالها واقعاً عملياً ينعكس بشكل ملموس على حياة الشعب عامة، والطبقة العاملة بشكل خاص بما يكفل تحسين المستوى المعاشي للمواطنيين، إضافة إلى المشاركة الفاعلة في مراقبة الخلل وتصحيحه ومحاربة الهدر والحفاظ على القطاع العام وتطويره وتحديثه والنهوض بالصناعة الوطنية وتكريس ثقافة العمل ونشرها.
كان للطبقة العاملة دورها المشّرف في حياة سورية ونضالها الوطني، فمن خلال جهدهم وعرقهم وتضحياتهم، تحققت التنمية السورية المستقلة التي حمت الاستقلال الوطني، وجعلت من سورية دولة تمتلك قرارها السيادي الحر، وتواجه مختلف التحديات التي تعترض مسيرتها الوطنية بفاعلية ونجاح.
والطبقة العاملة إذ تحتفل بهذا العيد إنما تُخلّد شهداءها الذين مهّدوا لها طريق تقدمها وتطورها وتحقيق أهدافها التي تُعبّر عن وحدتها النضالية ووحدة قوى الحرية والسلام والتقدم في العالم، وتُؤكد ثقتها بنفسها وإيمانها بعدالة قضاياها.. لقد كانت طبقتنا العاملة ومازالت غير بعيدة في نضالها ضد قوى الاستغلال والاستعمار منذ نشوئها، بل كانت معاني وأهداف الأول من أيار محور نضالها. وفي الرسالة التي وجههّا إلى الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي في السابع عشر من تشرين الثاني عام 2000، يصف السيد الرئيس بشار الأسد التاريخ المجيد للطبقة العاملة في سورية وتنظيمها النقابي بقوله: “تابعت خلال حياتي باهتمام نضال الطبقة العاملة في قطرنا وجهودها في مضمار العمل الوطني والقومي، فترسخّ في نفسي إحساس عميق بالدور الأساسي الذي ينهض به العمال في نضال شعبنا وأمتنا، وهذا الدور هو امتداد لدور العمال النضالي الذي مارسوه في مختلف مراحل تاريخنا الحديث وثابروا على أدائه بدافع حب الوطن والإيمان بالقيم الوطنية والقومية”.
لقد جاء الأول من أيار تتويجاً لتراكمات نضالية على مدى أعوام طويلة ناضلت خلالها الطبقة العاملة، وقدّمت قرابين الشهداء من أجل الحصول على مطالبها وانتزاع حقوقها المهضومة فكان الإضراب الشامل لعمال الولايات المتحدة في الأول من أيار عام 1886 في مدينة شيكاغو الذي يهدف إلى تحديد يوم العمل بـ 8 ساعات بدلاً مما يُفرض عليهم بالعمل لمدة تتراوح ما بين 12 و18 ساعة عمل يومياً، وتحقيق هذا المطلب للعمال كان يعني بالنسبة للقوى الرأسمالية المستغِلة انخفاض قيمة فضل القيمة أو نسبة الربح غير المشروع على سرقة جهد العامل، وهذا ما لاقى معارضة أرباب العمل وقمعته السلطات المتواطئة مع المستغِلين، الأمر الذي أدى إلى مصرع بعض العاملين وجرح آخرين واعتقال المئات من العمال المضربين، وهو ما دفع بالعمال في شتى أنحاء العالم للخروج تعبيراً عن استنكارهم ضد هذه الإجراءات من خلال موجات من الاحتجاجات.
لقد كانت تلك الأحداث بمثابة دعوة جادة لجميع العاملين الكادحين من أجل التصدي والنضال المشترك ضد الظلم والاستغلال وكل أشكال الهيمنة والتسلط، وتخليداً لذكرى شهداء مجزرة شيكاغو، قررت الأممية الثانية في مؤتمرها التأسيسي الذي انعقد في باريس عام 1889 أن يكون الأول من أيار عيداً عالمياً للطبقة العاملة من أجل تحقيق ذلك في جميع بلدان العالم، ومنذ عام 1890 أخذ العالم يحتفل بالأول من أيار بوصفه عيداً عالمياً لتضامنهم النضالي ضد الاستغلال والقهر، وتحولت الذكرى إلى رمز للتضامن والدفاع عن مصالح وحقوق العمال وتعزيز وحدة النضال الطبقي العالمي.
وإذا كان عيد العمال يمثّل الرمز العالمي لنضال الطبقة العاملة في وجه مستغليها، فإن المتغيرات الدولية جعلت العالم يدخل في خضم مرحلة جديدة من النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي وسط ليبرالية معولمة متوحشة قوامها قطب وحيد مهيمن، محوّلة الرأسمال إلى أخطبوط عالمي جاعلاً شعوب العالم رهينة الجشع والاستغلال من قبل الدوائر الرأسمالية الكبرى، إذ أصبحت آليات السوق الرأسمالية وما تفرزه من أزمات معضلة رئيسية ينبغي التصدي لها.
والأول من أيار له دلالاته وأبعاده الثورية، ويُعبّر عن قيم إنسانية تمّس قضايا العمل وحقوق العمال وتهدف إلى تعزيز مواقع الطبقة العاملة وتفعيل دورها وعطاءاتها، والطبقة العاملة العالمية إذ تحتفل بهذا العيد إنما تُخّلد شهداءها الذين شقّوا لها طريق نضالها وتعبّر عن وحدتها النضالية.
وفي سورية تحوّل الاحتفال بعيد العمال وبعد قيام ثورة الثامن من آذار وبالتحديد في ظل الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد، إلى عيد وطني، وأصبحت الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي في سورية في صدارة القوى الوطنية الفاعلة. يقول الرئيس الراحل حافظ الأسد في وصف الطبقة العاملة في سورية: “.. لقد كنتم رواداً في النضال الوطني والقومي، وكنتم مع إخوانكم الفلاحين طليعة صدامية في النضال الحقيقي، وحققتم بهذا النضال وبالتحالف مع سائر فئات الشعب الكادحة المنتجة العدالة”. وهكذا تبوّأت الطبقة العاملة مكانة تتقدم صفوف المناضلين، وطليعة في وجه أعداء الشعب والوطن، لأنها ترتبط بمصالح الشعب والدفاع عن الحقوق والمكتسبات والمنجزات التي تحققت خلال عقود طويلة، فالطبقة العاملة وتنظيمها النقابي يسهمان كقوة سياسية ونقابية هامة لها دور أساسي مؤثّر في صنع التنمية وزيادة الإنتاج وتطويره وحماية الإنجازات ودعم القطاع العام وتعميق جذوره باعتباره القاعدة الأساسية لمسيرة التقدم ورفع المستوى الثقافي والسياسي لجماهير العمال وتعميق وعيهم الطبقي.
وكما كان لعمال سورية وتنظيمهم النقابي دور في توحيد الطبقة العاملة العربية من خلال اتحاد نقابات العمال العرب، وصبّ طاقاتها وإمكاناتها في مواجهة المؤامرات الاستعمارية والرجعية والعدوان الصهيوني، كان لعمال سورية على الصعيد العالمي دور بارز في زيادة التلاحم مع المنظمات النقابية التقدمية في كل أنحاء العالم، والعمل معاً من أجل مستقبل مشرق للطبقة العاملة.
إن طبقتنا العاملة وتنظيمها النقابي ممثلاً بالاتحاد العام لنقابات العمال وهي تحتفل بذكرى الأول من أيار هي أكثر تصميماً على تكريس معاني الأول من أيار، والمحافظة على مكتسبات الطبقة العاملة وحماية القطاع العام، والحقيقة أن الإنجاز التنموي الوطني الكبير الذي حققه عمال سورية هو الأرضية الصلبة التي قام عليها الصمود الوطني السوري في مواجهة الحرب الإرهابية الكونية التي شُنّت على الوطن، وسببت له الكثير من الدمار والخراب، ولكنها أخفقت إخفاقاً ذريعاً في تحقيق هدف إسقاط الدولة الوطنية السورية، وتحطمت آمالها على صخرة صمود الجيش والشعب والقيادة، وكان العمال من أكثر فئات الشعب انخراطاً في التصدي للعدوان الإرهابي، وصمدوا في مواقع إنتاجهم ودفعوا الأرواح رخيصة في سبيل أن تستمر عجلة الإنتاج في الدوران، وتستمر الدولة في الصمود والتصدي للعصابات الإجرامية المسلحة التي عملت على تدمير البنية التحتية في سورية التي دفع شعبنا ثمنها من قوت أبنائه وعرقه عبر أجيال من الجهد والعمل المتفاني لعمالنا.
طبقتنا العاملة كانت ومازالت تعي دورها المسؤول، وتدرك حجم المخاطر والتحديات والتهديدات التي تحكيها الدوائر الصهيو – غربية بالتواطؤ مع أتباعهم في المنطقة ضد شعب سورية- ستبقى السد المنيع في وجه إجرامهم وتخريبهم، وستسهم في النهوض بسورية من جديد.