عمال السويداء في عيدهم.. صمود على جبهات العمل والعطاء.. وانتصار على التحديات
لم تثن قساوة المعاناة عمال السويداء عن الثبات خلف خطوط الإنتاج، وفي معاملهم ومؤسساتهم، فكانوا صناع الحياة مستمرين في العطاء والتضحية والإنتاج، وها هم في عيدهم (عيد العمال العالمي) يؤكدون أنهم الجند الأوفياء لبلدهم، ولن يتوانوا عن بذل الغالي والنفيس في سبيل سيادة بلدهم، وانتصاره على الإرهاب.
البعث زارت العديد من مواقع العمل والإنتاج في السويداء التي كانت نابضة بالوطنية، والشعور العالي بالمسؤولية، وهي حالة عامة ومشتركة بين جميع العمال في معامل السجاد والأحذية وتصنيع العنب والذين كان حديثهم عن مشكلاتهم يترافق دائماً بعبارة: (عندما تتحسن الظروف)، فاستمعنا ورصدنا واقع العمل، والمطالب العمالية، والتحديات التي تواجه المسيرة الإنتاجية، وأهمها نقص العمالة، والاعتماد على العمال المؤقتين، وقدم الآلات، وضعف نظام الحوافز والمكافآت.
عزيمة وإصرار
في معمل الأحذية كانت محطتنا الأولى، فهذا المعمل يشهد تطوراً ملحوظاً في الإنتاج، حيث حقق أرباحاً صافية العام الماضي تزيد عن ١٥٠ مليون ليرة سورية، وزيادة الإنتاج من ٤٠٠ زوج إلى ١٠٠٠ زوج يومياً رغم المعوقات والصعوبات، وذلك كله مبني على عزيمة وإصرار العمال فيه.
طبعاً مجرد وجود العامل في تلك البيئة القاسية يجعل كافة مطالبه محقة، حيث أصبحت المواد الكيميائية، وغبار الآلات وقدمها الهواء الذي يستنشقه العمال، وصوت ماكينة الخياطة وآلة القص الموسيقا الوحيدة التي يسمعونها طيلة اليوم، يقول أحد العاملين فيه “أبو شادي” الذي يعمل منذ تأسيس المعمل عام ١٩٧٨، والذي مازال متمسكاً بخطوط الإنتاج طيلة ٤١ عاماً أن هذا المعمل هو بيته الذي رافق تطوره منذ البدايات، ويشعر اليوم بالفخر وهو يصنع البوط العسكري لبواسل جيشنا وهم يقاتلون الإرهاب وخلف ماكينتها تجلس سهاد منذ ٢٢ عاماً، حيث باتت رفيقتها تقضي معها ساعات طويلة يومياً من السابعة صباحاً حتى الثالثة ظهراً، مشيرة إلى أن نقص العمالة يحمّلها والعمال الآخرين أعباء وجهوداً إضافية لا تتناسب مع حوافزهم القليلة في هذا القطاع الإنتاجي، وما يتعرّضون له من مخاطر صحية، يرافقها غياب الضمان الصحي.
طبعاً هذه المطالب المحقة أيدتها مديرة المعمل المهندسة أمل نعمان، والتي بيّنت أن معظم المطالب يتم العمل على حلها، حيث تم تزويد المعمل بآلات حديثة، وهناك تعاقد لتوريد آلات أخرى خلال الفترة القادمة وتم صدور قرار بزيادة الوجبة الغذائية بانتظار صدور التعليمات، وكذلك هناك موافقة على أيام عقود موسمية إضافة إلى الإعلان عن مسابقة لتوظيف ٣٣ عاملاً، ويبقى المهم هو إعادة النظر بنظام الحوافز من قبل الشركة العامة لصناعة الأحذية ليناسب الوضع الحالي للعمال، وتخصيص نسب من أرباح المعمل لصالحهم، وتشميلهم بالمهن الخطرة، والضمان الصحي، خاصة مع تعرّض العديد منهم لأمراض تنفسية خطرة.
مطالب عمالية
نحو ٢٧ ألف عامل في السويداء يقوم على أكتافهم كامل العملية الإنتاجية خلف خطوط النار في الأفران، وعلى الأنوال في معمل السجاد، وخلف الآلات في الشركة السورية لتصنيع العنب، ومع المواطنين في القرى، يقومون بأعمال النظافة، وعلى أعمدة الكهرباء، وفي آبار المياه، وغيرها الكثير من مواقع العمل والجبهات التي ينتشرون بها غير آبهين بالمخاطر والظروف الصعبة، وهدفهم تأمين الخدمة للمواطنين، فكانوا أوفياء بكل معنى الكلمة، فهم جنود مجهولون وقفوا بكل صبر واحتمال رغم كل الظروف المعيشية الصعبة، واستمروا بالعمل رغم كل المعوقات والصعوبات التي لا تحتمل في كثير من تفاصيلها.
حلول سريعة
زهير غيرة، رئيس اتحاد عمال السويداء، بيّن مجموعة مطالب تحتاج إلى حلول سريعة، أهمها نقص العمال، مبيّناً أن تدهور الواقع الاقتصادي لأصحاب الدخل المحدود يحمل مؤشرات سلبية ترهق العمال، ولها مفاعيل خطيرة على المجتمع، وارتفاع الأسعار والغلاء يسحق راتب العامل، والحالة في تزايد شبه يومي خطير ومؤذ، وطالب بتدخل إيجابي حقيقي لضبط الأسعار، وما تم لم يف بالغرض، وبقيت الوسائل عاجزة عن مساعدة العمال، وبيّن غبرة أن اختلال التوازن بين الأجور والأسعار والفجوة بينهما سبّب عدم الاستقرار النفسي، وعدم الارتباط العضوي للعامل بعمله، وبسبب هذا الاختلال يضطر العامل خارج أوقات الدوام وخلال راحته أن يوزع جهده إلى أكثر من عمل، الأمر الذي سبب دوراناً سريعاً في قوة العمل، وانخفاض الإنتاجية، وزيادة الإنفاق على التأهيل والتدريب، وتوزيع جهد العاملين إلى أعمال إضافية، مشيراً إلى أهمية زيادة الدخل عن طريق زيادة موارد المصادر المتاحة.
ومن المطالب التي يطرحها اتحاد العمال بشكل دائم تعديل قانون العاملين الأساسي، وإعطاء طبيعة العمل ميزات خاصة بالتوصيف الوظيفي، وتأمين النقل الجماعي لكافة العاملين، حيث تمتص أجور النقل أكثر من نصف الراتب في بعض الحالات، وإعادة النظر بالتأمين الصحي، وتوسيع خدماته، وإعادة النظر بسعر المحروقات، خاصة مادة المازوت، وكذلك ملء الملاك العددي لمؤسسات الخدمة، رغم أن هذا الملاك عمره 30 عاماً، ولا يراعي التطور الحاصل في طبيعة عمل هذه المؤسسات، ومع ذلك هناك نقص في هذا الملاك، وهذا ينعكس سلباً على العمال الحاليين الذين يبذلون جهوداً مضاعفة، مثال ذلك مركز العمران في ناحية المشنف الذي يوجد فيه موظف واحد يقوم بكافة المهام الإدارية، والمالية، والقانونية، ومطلوب منه تقديم خدمات للمنطقة الشرقية كاملة من محافظة السويداء، وحالة مشابهة في مركز القريا الذي انخفض فيه عدد العمال من 8 إلى موظفتين.
آلام وآمال
مازال عمال السويداء خلف خطوط الإنتاج يؤدون رسالتهم على أكمل وجه بدافع الواجب لمتابعة العمل والإنتاج رغم كل الظروف والتحديات والصعوبات، ويبقى الأمل في سن تشريعات وقوانين، واتخاذ قرارات تنصف تلك الطبقة التي صمدت وقدمت دمها وعرقها في سبيل بلدها.
رفعت الديك