دراساتصحيفة البعث

“فيروس” قد يطيح بأحلام ترامب …!

إعداد: عائدة أسعد

يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي: “كان من الممكن تجنب جائحة الفيروس التاجي، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أثبتتا أنهما الأسوأ في التعامل مع الأزمة من بين الدول الغربية، يضاف إلى ذلك نقص أجهزة التنفس الاصطناعي التي تكشف قسوة الرأسمالية وفشل أمريكا”.

إن سجل الولايات المتحدة هو الأسوأ في الاستجابة لأزمة الجائحة التي حذر العلماء منها لسنوات، خاصة منذ تفشي وباء سارس عام 2003 حين كان الوقت مناسباً للبدء في تطبيق أنظمة الاستجابة السريعة استعداداً لتفشي المرض، وتخصيص الطاقة الاحتياطية اللازمة، كما كان من الممكن أيضاً اتخاذ مبادرات لتطوير دفاعات وأنماط علاجية للفيروسات ذات الصلة، ما يعني أن كل ما حدث في الولايات المتحدة هو نتيجة أخطاء متراكمة، وجهل وإهمال لحجم الكارثة الصحية الحاصلة، وكانت نتيجتها وفاة أعداد كبيرة من المواطنين الأمريكيين حتى الآن.

في الأسابيع الثلاثة الماضية شهد العالم إلى حد ما تحولاً في مواقف الرئيس دونالد ترامب واستجابته للوباء، ففي وقت سابق كان هناك إقصاء وتقليل وإنكار كامل للحقائق وخطورة الأزمة إلى أن وصل الأمر إلى أرقام كبيرة للوفيات، وبات من غير الممكن تجاهل ندرة معدات الحماية الشخصية (PPE) للأطباء والممرضات والطاقم الطبي مثل الأقنعة والقفازات ومجموعات الاختبار لعامة الناس باعتبارها غير ذات أهمية.

في كل يوم كان الأمريكيون يشهدون ذلك الصراع من خلال جلسات الإحاطة الصحفية اليومية للبيت الأبيض التي من المفترض أن تكون من أجل قوة العمل الطبي التابعة للبيت الأبيض لاطلاع الجمهور، وتكشف تلك الإحاطات الصحفية- التي توفر أحياناً لحظات من الكوميديا ​​في مثل هذه الأيام المظلمة والمجهدة- عن صراعات حكام الولايات الفردية من أجل الإمدادات الضرورية المنقذة للحياة مثل أجهزة التهوية التي من الواضح أن الرئيس لم يفهم لماذا كانت هناك حاجة إليها، ولماذا لا يستطيع الأطباء والممرضات استخدام الأقنعة نفسها عدة مرات، ولماذا تتخلّف الولايات المتحدة عن الحصول على مجموعات الاختبار على الرغم من معرفتها بالوباء الوشيك منذ نهاية عام 2019؟.. لكن ترامب لا يرى ضرورة للاختبار الشامل لأنه يركز بشكل كامل على إعادة فتح الاقتصاد، ولأن همه الوحيد هو الفوز في انتخابات تشرين الثاني المقبل.

وبعد تفشي الوباء، كانت هناك تقارير تفيد بأن الرئيس يعطي معاملة تفضيلية للمحافظين من حزبه السياسي، ويطلب منهم استخدام الإمدادات من مخزونات الدولة الخاصة بهم، وعدم مراعاة نصائح وتحذيرات الفرق الطبية والعلماء حتى بدا الأمر كما لو تم إعلان الحرب على البلاد، حيث تجلى ذلك حين أخبر الرئيس كل ولاية بأن تدافع عن نفسها.

وفي خضم الفوضى اغتنم ترامب الفرصة لتجاهل اللوم الموجّه نحوه، وتحويله إلى الصين ومنظمة الصحة العالمية، وفي الآونة الأخيرة أوقف تمويل منظمة الصحة العالمية لمدة 60-90 يوماً بسبب معلوماتها المضللة فيما يتعلق بالوباء على حد زعمه، مع العلم أن الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة لمنظمة الصحة العالمية، فهي تساهم بأكثر من 400 مليون دولار، أي بما يقرب من 15٪ من ميزانيتها، ولكن مهما كانت مبررات النقاط التي يشير إليها ترامب فإن قطع التمويل في الوقت الأكثر أهمية يلخص نزوته وعدم نضجه.

في الوقت الحالي، يعترض ثلثا الأمريكيين على معالجة ترامب لأزمة الفيروسات التاجية، وهناك شعور عام بالتعب مع التضليل المستمر والفوضى، لذلك من الصعب جداً تقييم الاتجاه الذي يميل إليه الرأي قبيل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني، كما أنه من الصعب تخيل ولاية ثانية لترامب كما هي الآن مع قاعدة قوية، وأنه بالنسبة للكثيرين لا يخطئ.

أما بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى هذه الرئاسة بموضوعية فتبدو كلمات الدكتور مارتن لوثر كينغ ملائمة أكثر من أي وقت مضى: “لا يوجد شيء في العالم أكثر خطورة من الجهل الصافي وغباء الضمير”.