دراساتصحيفة البعث

ابن سلمان يحوّل مملكته إلى “دولة مدينة”

هيفاء علي

 لم يعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ممثلاً لشريحة الشباب، لقد انتهت تلك الفترة بعدما تجلّت النتيجة النهائية بالتأكد من قلة خبرته، وسوء حكمه، والأخطاء الفادحة، والحرب التي تسير جنباً إلى جنب معه بصفته ولياً للعهد، كل مهاراته السياسية انتهت بمكالمة هاتفية عاصفة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشية اجتماع اوبك الشهر الماضي، وانتهت بحرب كارثية حول الأسعار بين السعودية وروسيا.

كان بوسع ابن سلمان أن يرى بنفسه أن افتعال هذه الأزمة كان خطأً فادحاً، وكان بوسعه التفاوض مع الرئيس الروسي، ولكن ما لم يدركه ولي العهد هو حصر فلاديمير بوتين بإصدار الإنذارات، مع العلم أن ميزان المدفوعات في روسيا أفضل مما هو عليه في السعودية في لعبة البوكر هذه.

بعد كل هذه الأخطاء يكتشف ابن سلمان ضعف يده الآن، خاصة بعدما أخذ بنصيحة شخص متغطرس مثل صهر الرئيس دونالد ترامب، ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط ، جاريد كوشنر الذي علم بما ينوي ابن سلمان القيام به ولم يعترض، وهذا ما يفسر سبب ردة فعل ترامب الأولى في الترحيب بانهيار النفط الذي اعتقد أن مقابل كل سنت من سعر النفط المخفض ستستفيد الولايات المتحدة من مليار دولار في القوة الشرائية للمستهلكين.

الأهم الآن أنه مع وصول خام برنت إلى أقل من 20 دولاراً فإن ابن سلمان سيحوّل مملكته إلى دولة مدينة، وبالعودة قليلاً إلى الوراء، كان الانهيار المالي في السعودية حقيقة واقعة لبعض الوقت،  فعندما صعد والده سلمان إلى العرش في 23 كانون الثاني عام  2015، بلغ احتياطي النقد الأجنبي 732 مليار دولار، وفي كانون الأول الماضي انخفض إلى 499 مليار دولار، بخسارة قدرها 233 مليار دولار في غضون أربعة أعوام وفقاً لهيئة النقد السعودية، كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي للفرد في السعودية من 25243 دولاراً في عام 2012 إلى 23338 دولاراً في عام 2018 وفقاً للبنك الدولي، وهو ما اعتبر مؤشراً على تقلص المدخرات بسرعة، وبحسب صندوق النقد الدولي فإن صافي الدين سيصل إلى 19٪ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام ، و27٪ العام المقبل، في حين أن وباء كورونا وأزمة النفط قد يدفعا الاقتراض إلى 50٪ بحلول عام 2022، ومن العوامل التي ساهمت في تلك الأزمة المالية أيضاً العدوان السعودي على اليمن، ودعم الانقلاب في مصر، والتدخلات في جميع أنحاء العالم العربي، وعلى وجه الخصوص انفضاح  دورها الكبير في الحرب على سورية، والمشتريات المفرطة للأسلحة من أمريكا، ومشاريع عبثية مثل بناء مدينة نيوم المستقبلية، ناهيك عن بناء اليخوت الثلاثة، لكن المشكلة لا تكمن فقط في إنفاق ولي العهد السعودي، فاستثماراته تم تدويرها بشكل خاطئ، لأن من علامات الاستثمار السيئ انخفاض القيمة النسبية لصناديق الثروة السيادية، لدرجة أن جيران السعودية الصغار في الخليج باتوا يطغون عليها في هذه المرحلة.

وحتى قبل تفشي جائحة الفيروس التاجي، كان صندوق النقد الدولي يعتقد أن خطط زيادة حجم الاستثمار الأجنبي إلى 1 تريليون دولار لن تكون كافية لتوليد الإيرادات اللازمة إذا مضت السعودية بالتنوع في دعم اقتصادها بعيداً عن النفط، ولن تكون العوائد المالية وحدها بديلاً مناسباً للدخل في عالم ما بعد النفط، وفي هذا الشأن لفت صندوق النقد الدولي إلى أن إنتاج النفط البالغ 10 ملايين برميل في اليوم بقيمة 65 دولاراً للبرميل يُترجم إلى عائدات نفطية سنوية تبلغ حوالي 11 ألف دولار للسعودية الآن، كما أن هناك مقياساً آخر للانخفاض، وهو ما صرح به الرئيس التنفيذي لشركة
“سوفت بنك” في اليابان بأنه حصل على 45 مليار دولار بعد أن أمضى 45 دقيقة فقط مع ابن سلمان، أي مليار دولار للدقيقة الواحدة لإفادته بخبرته في  “صندوق الرؤية” الذي تبلغ تكلفته 100 مليار دولار.

لذلك يتوقع مراقبون أنه لن يكون بوسع السعودية اليوم تحمّل خطط التحفيز المالي التي وضعها جيرانها في الخليج للتخفيف من تأثير الوباء، حيث تنفق 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي لدعم اقتصادها خلال الاحتواء، مقارنة بـ 5.5٪ لقطر، و3.9٪ للبحرين، و 1.8٪ للإمارات، كما تظهر العديد من الأمثلة أن هناك نقصاً بالمال في المملكة، وأكبر دليل على ذلك هو إصدار الملك سلمان مرسوماً يقضي بأن الدولة ستدفع فقط 60٪ من الأجور أثناء الحجر بسبب فيروس كورونا.