حديث الشهيد
علي بلال قاسم
يشهد تاريخ هذا البلد الذي لطالما أصبح آمناً بعد ليالٍ سوداء، على سجل من التضحيات التي باتت دعامة وأساساً متيناً لبناء الغد الأفضل، ليأتي الفصل الأخير المتمثّل في إرهاب السنوات العشر، حيث كانت الشهادة والفداء أولوية يحفظها السوريون عن ظهر قلب، وهذا ما أبقى الجمهورية واقفة والدولة قوية والناس صامدين “والانتصار صبر ساعة”.
مع المناسبات والأعياد ومن دونها، ثمّة حقيقة تتمثل بدم لم يجفّ وآخر مازال يسيل، وقد تكون هذه الأرض عطشى أكثر لمزيد من التضحيات التي تجعل الفاتورة أعظم، وهذه هي المفارقة التي ينجح فيها السوريون دون غيرهم، حين يتوحد خضابهم على هدف الاستمرار بمن بقي بأمل الألم وليس العكس.
في مسافات الطريق إلى سدة البقاء، يتصدّر الشهيد المشهد في الوجدان المجتمعي والوطني، ومهما سطّرنا من إنجازات وأعمال في ذكرى من رحل ودرب من بقي، يظهر التقصير الذي لا يمكن إخفاؤه والدلائل والقرائن بارزة في هذا الملف الذي تتجسّد المعاناة فيه على أشدها عند شريحة المفجوعين بولد أو أب أو أخ أو قريب.
لأننا نولد شهداء وفي مستهل الانتصارات التي يسجلها الجيش يتقدم الشهيد بأوراق اعتماده مرشحاً معنوياً وروحياً لوطن بقي حياً على فدية وقربان الدم، فمخزون الشرائح والفئات الذين وحّدهم دم الشهداء وذويهم يستأهلون أكثر بكثير من مجرد إعانة أو سلة غذائية أو طلب توظيف، لأن القضية تتعلق بنهج تعاطٍ استراتيجي طويل وليس “تسكيتة من هنا أو هناك”.
قد يقترح أحدهم وزارة للشهداء، ويطالب آخر بمؤسسات متخصّصة، ويصرّ كثيرون على أولوية التكريم فعلاً لا قولاً عبر رسم خريطة طريق مستقبل البلد برفع قيمة الشهيد عالياً، بتحالف الدولة والمواطن على جعل أسر وذوي الشهداء في المرتبة الأولى إجرائياً وتنفيذياً بشكل يجعل الموظف خادماً لهم في عقر دارهم، لا متملصاً ومتهرباً وناكلاً لمعروف من استُشهد وأصيب وتضرّر وهجر وخطف واغتصب وسحل وذبح وحرق وتعرى وأُكل لحمه حيّاً وميتاً!.
إنه واقع بعضه أصبح تاريخاً أسود بالإرهاب، وجلّه أبيض بدم الشهيد الذي قضى وذاك الذي ينتظر؛ ولكن لنتذكر صوراً ومقاطع ومشاهد وتسجيلات وقصصاً يندى لها الجبين، وإلا كيف سنواجه أنفسنا أمام محكمة الضمير.. فهل أتاك حديث الشهيد؟!