تحقيقات

فوبيا “الكورونا”.. آثار نفسية على الأطفال.. وحذر مبالغ من الأهالي!!

رغم نظافة التفاحة التي كانت في يد دانيال، ابن الست سنوات، وغسل يديه قبل تناولها، فإن شعوراً بالخوف والارتياب بدا على الطفل عندما نسي تعليمات والدته الصارمة التي نهته عن وضع يده في فمه أياً كانت الأسباب لتجنب دخول الجراثيم أو الإصابة بالكورونا، ليصيح الطفل على الفور بطريقة مضحكة حين نسي وصايا والدته: كورونا كورونا “نطت” الكورونا!!.. والمؤكد أن حالة الطفل دانيال مماثلة لحالة أطفال كثيرين تأثروا سلوكياً خلال فترة الحجر الصحي بعادات كثيرة منها لم يألفوها سابقاً، فما تأثير هذا التغيير، خاصة عندما يكون مبالغاً به بالنسبة لبعض الأهالي، وخوفهم على أطفالهم؟ وهل تكون العادات الصحية الكثيرة التي تغيرت منذ بداية الحجر الصحي وحتى يومنا هذا، سواء بالحجر الصحي، أو بالمحافظة على الصحة العامة بسلوكيات محددة، ذات آثار إيجابية عند الأطفال الذين أصبح لدى الكثيرين منهم “بعبع” جديد يخشونه اسمه “الكورونا”، فوبيا الخروج، ويبدو أن فترة الحجر الصحي التي حرم فيها الأطفال من الذهاب إلى المدارس كانت ذات أثر نفسي سلبي عند الكثير من الأطفال والمراهقين حين حرموا من الخروج حتى للعب مع أصدقائهم، ووجدوا أنفسهم وهم الشريحة الأكثر تأثراً بما يسمعون بمواجهة مع وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التي استمرت ببث الأخبار حول الفيروس متجاهلة تأثير هذه الأخبار على حالتهم النفسية والعقلية، ورغم فوبيا عدم الخروج من المنزل للأهل والأطفال التي رافقت معظم الأسر، بدا في المقابل أن هناك آراء مختلفة من بعض الأهالي الذين عملوا على تجنيب الأطفال أي تغيير مفاجئ في العادات، وترك المجال أمامهم للعب كلما استطاعوا الخروج من المنزل ليبقوا في صحة نفسية وجسدية جيدة ضمن الفترة الماضية، والملفت أن هذا الاتجاه يدعمه الكثير من الأطباء الذين يجدون خروج الأطفال للعب مع مراعاة القواعد الصحية ذات أثر إيجابي للطفل أكثر من بقائه في المنزل بصورة مستمرة، والملفت أن خوف الطفل أو المراهق من الوباء جاء ضمن سلسلة سلوكيات منتشرة في المجتمع في الفترة الماضية، فبحسب د. مهند إبراهيم اختصاصي التربية النفسية ومدرّس علم نفس الطفل في جامعة البعث: حالة الذعر والترقب التي تحدث داخل الأسرة بسبب وباء كورونا قد تكون لها تأثيرات سلبية على الطفل، لأنه يتلقى المعلومات ويتعلّم السلوكيات الاجتماعية والنفسية المباشرة من الأسرة، فينتقل الخوف والقلق بشكل لاشعوري (إيحائي) إلى الأطفال، هنا نستطيع القول: إن الخوف متعلّم من سلوك الكبار، وهناك عوامل عدة توضح مدى تأثر الحالة النفسية من تفشي هذا الوباء، منها عمر الطفل، الحالة العاطفية والمزاجية، قدرته على التكيف مع من حوله، ويتابع د. إبراهيم حول الآثار النفسية للحجر المنزلي على الحالة النفسية للأطفال الصغار التي يمكن أن تسبب مشكلات نفسية حادة أحياناً، ومن الآثار النفسية: الشعور بالملل، وهذا يلاحظ كثيراً، وأيضاً الوحدة ونوبات الغضب والخوف، وقد تؤدي هذه الآثار إلى ظهور سلوكيات “نكوصية” عند الطفل (مثل التبول اللاإرادي، مص الأصابع، قضم الأظافر)، طبعاً هذا في حال لم يتم استثمار حالة الحجر المنزلي بالشكل الجيد وذلك للتخفيف من آثاره.

أكثر ضرراً
يبدو أن تأثيرات الحجر الصحي على المراهقين أكثر ضرراً على فئة المراهقين، حيث يلاحظ بعض التغيرات الفيزيولوجية كتغيرات في النوم أو الشهية، وانخفاض الدافعية عند الأطفال الأكبر سناً والمراهقين، ويمكن أن تظهر بعض المشكلات النفسية والنسيان والتشتت الذهني كرد فعل طبيعي لعدم تقبّل الواقع كما هو، وقد يصبح الأطفال والمراهقون أكثر انسحاباً وأكثر انعزالاً عن الآخرين عندما تظهر مخاوفهم بشأن الصحة العامة، وأيضاً بشأن المستقبل العلمي والمهني، لأن المراهق بمرحلة حرجة وحساسة من تقدير الذات والبحث عن الهوية، وهنا للوالدين دور مهم في تخفيف قلق الطفل والمراهق، فيجب عليهما السيطرة على مخاوف أطفالهما تجاه هذا الوباء ليكونا مثالاً للطفل الذي يتعلّم منهما، ويجب على الأهل تقديم معلومات صحيحة لأطفالهم، والأهم من ذلك أن يتم استعمال الأسئلة المطروحة من قبل الطفل المتعلقة بهذا الوباء، والإجابة بلغة بسيطة وسهلة ومناسبة لعمر الطفل.

إحباط ومخاوف
يؤكد د. إبراهيم أن الانتشار الكبير والمكثف من المعلومات والشائعات المختلفة والمضللة التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة ومنصات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى خلق حالة من الإحباط والإجهاد النفسي، وتشتت الذهن عند المتلقي، والمراهق خصوصاً لأنه أكثر شغفاً في البحث عن المعلومات، وأيضاً نلاحظ أن المراهقين لديهم حالة من الإفراط في تقضية الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يؤدي إلى ظهور أعراض اكتئابية، وما يزيد الأمر سوءاً هو ضبابية المعلومات حول هذا الوباء العالمي وكيفية التصدي له، ويضيف بأن حالة الخوف بالحدود الطبيعية ضرورة للإنسان من أجل الأخذ بأسباب النجاة، والابتعاد عن مصادر الخطر، فحسب رأي الطبيب ابن سينا (لابد من تحرير الناس من خوفهم، فالمرض يصيب الجبناء)، هنا أقول إن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، فالخوف المرضي الذي يحدث حالياً في بعض الحالات يندرج ضمن ما يسمى بفوبيا كورونا، وهي حالة نفسية مرضية تحتاج إلى علاج نفسي.

دعم نفسي
ويختم د. إبراهيم باقتراح مهم حول تخصيص غرفة عمليات للدعم النفسي والإرشادات النفسية ضد مخاطر هذا الوباء، وذلك لتقديم خدمات الدعم النفسي بشكل مباشر الى كل شرائح المجتمع عبر برامج التواصل الاجتماعي، أو تخصيص مكتب استشاري نفسي يقدم خدمة الدعم النفسي عبر التواصل بالهاتف، فدور الأهل بالغ الأهمية في تعليم الطفل كيفية التكيف مع الحالة الجديدة من الحجر المنزلي بسبب هذا الوباء، وكيفية تعلّم عادات صحية وشخصية جيدة قد تستمر طويلاً، حيث يجب على الأهل تعريف الطفل بفيروس كورونا، ويجب أن يكون لديهم القدر الكافي من المعرفة للشرح وتقديم المعلومات الصحيحة الأقرب إلى الواقع، ويجب العمل على مشاركة الطفل في ترتيب المنزل بطريقة فنية، أو إعداد الطعام، أو صنع نوع من الحلويات، هذا يجعل الطفل يشعر بوجوده وأهميته، ويتولّد لديه شعور الانتماء للأسرة، وأن له دوراً مهماً، وهذا الأمر يبدد الملل والوحدة، وكذلك تخصيص زوايا في المنزل لممارسة الرياضة والألعاب بشكل يومي، لأن الرياضة تنشط الدورة الدموية وتحسن المزاج، ومتابعة الدروس والواجبات الدراسية بأوقات معينة مثل وضع برنامج مراجعة المواد الدراسية، والابتعاد عن تعنيف الأطفال، أو الإكثار من إصدار الأوامر، ويجب على الأهل الإكثار من المحادثات مع الأطفال وتشجيعهم على التحدث عن مشاعرهم وأفكارهم، وتدريب الطفل على التنفس العميق، وهذه الإجراءات من شأنها أن تخفف من آثار الحجر المنزلي وعدم التواصل الاجتماعي، وتعلّم عادات إيجابية مفيدة، وقد تستمر على المدى البعيد.

محمد محمود