في محراب الشهادة
علي اليوسف
في محراب الشهادة تقف الكلمات عاجزة عن وصف فضائل الشهداء، فالتضحيات كبيرة جداً بدأت من الوطن وانتهت إليه، ليبقى الشهيد رمزاً للعطاء والوطنية، وسر صمود الشعب السوري بوجه أعداء اﻷمس واليوم.
على وقع انتصارات الشهداء اﻷحياء من قوات الجيش العربي السوري على كافة الجبهات السورية، وليس آخرها جبهة ادلب، يحيي السوريون اليوم ذكرى السادس من أيار “عيد الشهداء”، هذه الذكرى تأتي اليوم تزامناً مع اقتراب نهاية الجيوب الإرهابية في ادلب، والاستعداد لمعركة تحرير الجزيرة السورية من الاحتلال الأمريكي- التركي، كيف لا ولسورية تاريخ حافل بالمقاومة، وتقديم الشهداء، مستلهمة دروس النصر والتحرير من السادس من أيار الذي هو حتى الآن يوم تاريخي تحيي فيه سورية من كل عام ذكرى عيد الشهداء الذين أعدمهم الاحتلال العثماني في دمشق على يد جمال باشا السفاح عام 1916، هذا اليوم الذي هو مزيج من الاستذكار بالماضي المجيد للشهداء الذين رفضوا الانصياع للطاغية العثماني، إلى الحاضر المبارك بدماء الشهداء الذين رفضوا تسليم بلادهم للإرهابيين وداعميهم ومشغليهم من الدول الغربية والعربية والكيان الإسرائيلي، لتجدد هذه الذكرى قدسيتها من دماء مازالت تقدم نفسها لصون الكرامة والاستقلال.
ومن نظرة بسيطة إلى شخصيات هؤلاء المناضلين الذين تم إعدامهم على يد السفاح نرى أن الحالة الوطنية متجذرة في تربة سورية وهوائها، وهي عنصر أساسي في وجدان وضمير كل من ولد ويعيش على هذه التربة ويستنشق هواءها، وخير دليل الخارطة الجغرافية والدينية المتنوعة للشهداء، فهم من كل الوطن وإلى الوطن وهبوا أنفسهم رمزاً لوحدة الوطن وكرامته.
في عام 1915 قاد السفاح جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال مصر، لكن القوات البريطانية التي كانت تتحصن على الضفة الغربية للقناة أفشلت الهجوم فشلاً ذريعاً، وقد دفع هذا الفشل الذريع جمال باشا السفاح، الحاكم العسكري المطلق على سورية، ليصب جام غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية التي حمّلها مسؤولية إخفاقه، فعمل على استبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك، وفصل الضباط العرب البارزين من وظائفهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة، وبدأ باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت، وقد كانت باكورة هؤلاء إعدام عدد من المناضلين بأحكام عرفية باطلة في عدد من المناسبات، وقام بإعدام نخبة من المثقفين العرب من مختلف مدن سورية الكبرى بعد أن ساق السفاح لهم مختلف التهم التي تتراوح بين التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية للتخلص من الحكم العثماني، إلى العمل على الانفصال عن الدولة العثمانية، وأحال ملفاتهم إلى محكمة عرفية في عالية بجبل لبنان.
تنقل كتب التاريخ أن شكري بك رئيس ديوان الحرب في عالية جاء إلى مقر أركان الجيش الذي كان في فندق فكتوريا بدمشق لعرض نتائج المحاكمات التي قام بها مع رجاله لرجالات العروبة، وقال: “إن عدد الذين يمكن الحكم عليهم بالإعدام لا يتجاوز الثلاثة أو الأربعة، وأراد عرض النتائج على جمال باشا قبل إصدار الحكم النهائي”، لكنه عندما دخل إليه راح جمال باشا يستعرض الأسماء ويكتب مقابل كل واحد منها “إعدام.. إعدام”، هنا استعطف شكري بك جمال باشا قائلاً له: “يا باشا، أرجوك، فكر بالتاريخ”، فرد جمال باشا بعصبية: “التاريخ؟ فليتحطم على رأسك”!.
نفذت أحكام الإعدام شنقاً على دفعتين: واحدة في21 آب 1915، وأخرى في6 أيار 1916 في كل من ساحة البرج في بيروت فسميت ساحة الشهداء، وساحة المرجة في دمشق وسميت ساحة الشهداء أيضاً.
إن في حادثة إعدام شهداء أيار 1916 وكل شهداء سورية في نضالها الوطني والقومي دروساً يجب علينا كسوريين أن نعيها جيداً، ويجب أن نكون جميعاً يداً واحدة في مواجهة الاستهداف الأمريكي الصهيوني التركي و أدواته الإرهابية التي تلقت أكبر الهزائم على يد الجيش العربي السوري البطل .