كي يبقى الجرح مفتوحاً!
ريناس إبراهيم
لم يسبق لأيّ عدوان أو احتلال في التاريخ أن انتهى بمجرد الحديث والإدانات وبيانات الشجب والاستنكار، ورغم وجود وعي جمعي متيقن لهذا الأمر، ودليله الحراك الشعبي المستمرّ والمبادرات الفردية التي يقوم بها بعض الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بحادثة طعن هنا ودهس هناك، إلا أن بعض القيادات لا تزال مصرّة على الحروب الكلامية التي لا طائل لها ولا نفع!
ليس الحديث هنا تحريضاً، وإنما هو محاولة للتأكيد على أن الحقوق التي لا مدافع عنها إنما هي هباء، وقد تكون الإدانات أو البيانات هي علامة على عين الشارع بأن “انظر، ها نحن نصدر بيانات الإدانة ونترقّب مؤامرات العدو بإمعان!”، لكن ما الفائدة المرجوّة من إدانة غير مقترنة بفعل أقوى؟!
إنّ العدو الإسرائيلي، ومن ورائه إدارة ترامب ومنذ تسلّمه سدّة الرئاسة، يختبران شدّة وقوة ردود الفعل العربية ومدى تأثير الشارع العربي في قرارات حكوماته وأنظمته، ولم يكن العدو ليتجرّأ على تصعيد انتهاكاته لو لم يلحظ تراجعاً في الروح المقاومة لدى الشعوب العربية وشيخوخة مبكرة في عزيمة الأمة!
فما الإعلانات الإسرائيلية عن مخططات الضمّ والاستيطان التي تلتهم مساحات واسعة من الأراضي المتبقية للفلسطينيين وتطال مرافق تاريخية، وما التصريحات المتلاحقة عن مشاريع واتفاقيات كبرى مع أنظمة عربية، ولا سيما خليجية، إلا امتحان لردّة الفعل العربية عامة، والفلسطينية خاصة.
وفي حين لانزال نعوّل في مواقفنا على المواقف الدولية ونناشد المنظمات الحقوقية والإنسانية للنظر في الأحقّية التاريخية للعرب بأرض فلسطين المقدسة، ترسّخ في الوعي السعودي – على سبيل المثال – واللاوعي كذلك، الاعتراف بـ “إسرائيل” كـ “دولة قائمة”، و”جارة”، واعتبار الفلسطينيين “مجموعة متسوّلين”، والاستخفاف بقضيتهم العادلة! وإن كان التساؤل مسموحاً، فهل يمكن القول “إنّنا فشلنا في الدفاع عن حقوقنا!”؟، وهل نحن الآن بحاجة لإقناع العرب، قبل غيرهم، بتلك الحقوق ومشروعيتها؟
ليست الخطوات التطبيعية، التي لاتزال الأنظمة الخليجية “تتحفنا” بها، ولا بيانات الإدانة والاستنكار الباردة، الدافع الوحيد إلى هذه التساؤلات، وإنّما ما يمكن أن ندرجه في إطار حرب ثقافية نفسية يشنّها العدو الإسرائيلي بأيادٍ، للأسف، عربيّة، وفي قالب إنساني درامي بحت، جاء في مسلسل رمضاني كويتي “أم هارون”، وآخر سعودي “مَخرَج7”.
عشرات الأعمال الدرامية التي أُنتجَت على مدى العقود الماضية اتّخذت صورة محدّدة للفلسطيني وأخرى ثابتة للإسرائيلي، وليس في ذلك بُعد سياسي، وإنما بُعد واقعي، يماهي واقع شعب سُلِبَت أرضه واغتُصِبَت حقوقه، وواقع محتلّ غاصب تنتشر بين أفراده الميول العدوانية والعنصرية تجاه الغير.
وبغضّ النظر عن تفاصيل العملين الدرامييين المقصودين، وعن موجات الأخذ والردّ التي طالتهما، فإنّ الدراما ابنة بيئتها، وليست البيئة الخليجية سوى بيئة تطبيعية تحاول أنسنة العدو المتوحّش، وتعمل على غرس صورة نمطية جديدة للمحتلّ الإسرائيلي في أذهان المشاهدين العرب، تختلف عن صورة من قتل وشرّد وأباد عائلات فلسطينية بأكملها!
أخيراً، يبقى الأمل معقوداً على موجات غاضبة هنا وهناك تنتظر جهود تنظيم وحشد، وعلى ملامح دراما مقاوِمة تضع الأحداث في سياقها الصحيح وتكرّس وعياً صلداً، كما يعوّل على دور الإعلام العربي، الذي ضبط ساعته على ساعة الصراع مع العدو الإسرائيلي، في عدم التوقّف عن ملامسة الجرح العربي، فلسطين، كي يبقى مفتوحاً وشاهداً على خطايا العصر!