3 × 4 حاسر الرأس
تتداخل في مخيلة الطفل صور لا تُمْحى. فقد كنت أنظر إلى الغيوم، وأتساءل: كم إسفنجة نستطيع أن نستخرج من تلك الغيمة؟ وكثيراً ما كانوا يطلبون صورة شخصية 3×4 حاسر الرأس، فكنت أعتقد أن الصورة من دون رأس! وكنت أتساءل لماذا تُطلب الصورة إذاً؟ وظلّت تلك الصور المرسومة في مخيلتي ترافقني حتى الآن. فالرؤية الحقيقية الواقعية للطبيعة تمتزج مع ذاتية الإنسان، من خلال قراءات تختلف من شخص إلى آخر. وتختلف أيضاً مسألة التكوين التي تتجسد بخلق سردٍ إبداعي يضاف إلى القراءة الأولى.
للصورة وللمشاهد دلالات ورؤى خاصة، وتأتي أهميتها من خلال توظيفها وإيجاد فكرة خلاقة، ومشاركة الآخر – أي المتلقي – ووضعه في دائرة الدهشة والأفق المفتوح.
وعلى حد تعبير أرسطو “إنّ التفكير مستحيل من دون صور”، تأخذنا المشاهد في أغلب الأحيان، إلى أبعد ما يمكن تصوره، فالصورة تلعب دوراً هاماً وأساسياً في مسألة التكوين الفكري، لا بل تحولت إلى ثقافة حقيقية ترتبط بالأحداث والمتغيرات والشخصيات والطبيعة. وتجسّد تلك المفردات حالات تأملية في صيغة بعيدة عن التجريد، وأبعاد جمالية أخاذة تتوحد برؤية ذاتية. وما الصورة سوى انعكاس حقيقي لمتطلبات عامة ورؤى خاصة كما أسلفنا سابقاً، تؤثر على نحو أو آخر بآلية تفكير الإنسان ووعيه وثقافته.
عندما أطلق إدوارد مونش لوحة “الصرخة”، أراد للأحاسيس المكنونة الداخلية أن تتدفق مشحونة بعواطف صادقة. فمنذ عام 1893 – وهو يوم ولادة اللوحة – إلى يومنا هذا وما بعده، تبقى الصرخة ملازمة لنا وممزوجة بحالات من القلق والخوف. وقد استخدمت تلك الصورة في مئات الملصقات والكتب ولوحات الكاريكاتور. فكل ما يتراءى لنا وما نتلقفه من مشاهد وما يحيط بنا، يشكل وعياً جمالياً ورافداً أساسياً للمخزون الثقافي الذي يساهم في نبش خبايا الحياة بكل تفاصيلها ويشكل قاعدةً صلبة نرتكز عليها في التعبير عن مفردات عملنا.
رائد خليل