الغول في حكايات الأطفال!
قيل إن المستحيلات عند العرب ثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي.
ويقول عنترة بن شداد في وصف متقن تصويري للغول:
والغُولُ بينَ يديَّ يخفى تارة ويعود يَظْهَرُ مثْلَ ضَوْءِ المَشْعَلِ
بنواظر زرق ووجهٍ أســــــودٍ وأظــــــافر يشبهنَ حدَّ المنجل
حين تقرأ كتاب (البطل ذو الألف وجه) ستلاحظ بلا شك كيف يرتكز جوزيف كامبل على نظريات عالم النفس السويسري كارل ج. يونغ بخصوص النماذج البدائية (Archetypes): شخصيات حاملة قيم، متجانسة كانت أم متنافرة، تتكرر دون نهاية، وتوجد في أحلام كل واحد منا، وفي حكايات وأساطير الثقافات كافة، شخصيات الميثولوجيا العالمية المعروفة بشكلها الجليّ الواضح الفهم والإدراك لنا جميعاً، ذات العديد من التشعبات والتصنيفات.
لكنها تبقى واحدة في كل الثقافات والحكايات الشعبية للإنسان في كل مكان ومنها: البطل الشاب والشيخ الحكيم والعدو الشرير والمعارض الغاشم والوحش والساحرة الطيبة، وكل ما يملأ حكاياتنا بالتنوع والغنى.
وتفصّل مخيلة الجدات الحكايات في الذائقة البشرية بما يتناسب وتلك الشخصيات التي تملأ أحلامنا وتخيلاتنا وهلوساتنا، ويكون من وظائفها الجليلة علاج الأرواح وإمتاع الذائقة وتلقين الدروس والحكم، إنها بلا شك تعالج مسائل تشغل بال الناس جميعاً مثل تلك التي يطرحها الأطفال على أنفسهم: من أنا؟ من أين أتيت؟ أين سأذهب بعد الموت؟ ما هو الخير وما هو الشر؟ هل هناك كائنات حية أخرى في الكون؟
وحين يكون الجواب على السؤال الأخير: نعم، كان يجب أن تكون لهذه الكائنات ملامح جسمية وصفات نفسية تتخلق بها لتكون مقنعة وذات أثر في سير الحكاية.
من تلكم الشخصيات يبرز “الغول” كواحد من أهم الشخصيات الشريرة الغامضة التي ملأت ساحة الحكاية السورية على امتداد الجغرافيا النبيلة لوطننا، القاعدة الرئيسية العامة كانت: “كل الجدات لديهن وشاح صوف للحياكة، وحكاية فيها غول..” يملأ فرائصنا برعشة الرعب، وخيالنا بالخوف، حتى يتمكن بطل الحكاية من قهره والتغلب عليه، لنقفز متحررين من خوفنا ونملأ أركان البيوت بصيحات الانتصار وكأننا ننتقم من خوفنا لا من شكل وصورة ذاك الغول.
ما هو الغول؟
الغول كائن خرافي أسطوري من خيال الخوف الأول الذي نسجه المزارع السوري القديم يوم استوطن هذه الأرض وعمرها بالحضارة والزراعة والثقافة والحكايات، فأسبغ عليه ميزة الضخامة والبشاعة والصفات الخلقية التصويرية الذميمة، من قرون معقوفة في قمة الرأس وأنياب حادة تبرز فوق الشفتين وعيون تقدح ناراً ورعباً لكل من ينظر إليهما، خاطف الأميرات مرعب الأطفال سارق المحاصيل وآكل المواشي وحارس الغابات البعيدة المخيف وحامي كنوز المغارات السحرية.
وإذا كان الضد يظهر حسن ضده فإن الإغراق في وصف الغول وسطوته الشريرة على المنحى الخاص بهول الحكاية تبرز لا بد جمال وفروسية وبطولة المغامر الذي يتصدى له وينتصر عليه – لامحالة – لذلك كلما أرادت الحكاية لبطلها زهواً وعلواً وقدراً سامقاً من المجد كان عليها أن تتقن حياكة صفات الغول وشروره وبشاعته.
“الغول” الكلمة مشتقة من الرقم الطيني الأول الذي جبلته اليد السورية على هذه الأرض ونفخت فيه من روحها ومن نار حكايتها، فكلمة “غالو” تعني المخلوقات والشخصيات الشيطانية في الأساطير والحكايات القديمة في الممالك السومرية والآكادية البكر (في قصيدة “حلم دوموزيد” السومرية، يتدخل أوتو كي ينقذ دوموزيد، زوج إنانا، من عفاريت غالو الذين يطاردونه).
لابد دائماً من التنويه بتجارب الغير في حياكة الحكايات العصرية والمطالبة بالاقتداء بنهج مغاير يتناسب ومفردات أطفالنا العصرية. والبعد عن التكرار والدوران في حلقة اكتشاف العجلة من جديد، ودعوة للنظر ملياً في السيناريو التفصيلي والفكرة الخلاقة لفيلم “شركة المرعبين المحدودة” لفريق والت ديزني الذي قارب قضية الوحوش والغيلان الأسطورية التي ترعب الأطفال وتخرج لهم من الزوايا المعتمة في غرفهم وخزانات ملابسهم ونوافذهم المفتوحة على الحدائق، وكيف تحولت تلك الغيلان إلى عناصر منزوعة خاصية الخوف وغير قابلة للترعيب وبث الهلع في قلوب الأطفال، عبر طفلة صغيرة بريئة تعرف حق المعرفة أن الضحك الفطري الذي تتمتع به هو السلاح الأمضى لاستجلاب طاقة أخرى من نوع خاص، طاقة تلين فرائص الوحش وتطويعه ليكون خادماً أميناً للأُلعبان الكوميدي المرافق، هكذا فكر نير وزاوية مغايرة لطرح الحكاية هو ما نحتاج إليه وننادي به، من يرث ذائقة جداتنا وأهلنا الأوائل صناع الحكاية وأبجدياتها العالمية.
رامز حاج حسين