الإيقاع اللوني وثنائية التجسيد والمحو عند أحمد الصوفي
أحمد الصوفي فنان سوري إشكالي بامتياز، يدفعك للدهشة والإرباك عبر منعرجات ألوانه وتشكيلاته، لتكون بمواجهة مع تجربة استطاع أن يجد لنفسه مكانا مميزا في وسط مليء بالمتاعب والجماليات، تنوعت أعماله من الواقعية إلى الواقعية الرمزية والتعبيرية فالتجريدية يختار موضوعاته وينفذها بمنتهى الجدية، عبر بحثه الدائم عن مفردات لونيه، وخاصة التصوير الزيتي، ينبع أسلوبه من رؤيته الخاصة للموضوع الذي يعبر عنه، ويؤكد أن لا حافة للإبداع أو قمة تستكمل بعدها التجربة فضولها للاكتشاف، بل تنتهي تجربة الفنان بانتهاء حياته، اللوحة لدية عمل فردي يتطور باستمرار، وتحمل مستويات عدة من التعبير، وكأنها أنجزت على مراحل بالرغم من وحدة التشكيل، يسكب مخيلته على السطح الأملس للعمل فيعج الفراغ بالسكينة كما بالفكرة، ضمن موسيقاها العميقة واختزالاتها التي تمنح مساحة مناسبة للانفلات من قيود الوعي.
نضج المقولات
في تناقض “الأبيض/الأسود” الصوفي متفائلا بأسوده الدال على الطمأنينة، وهي تطرح تحولات العصر، يميل إلى تقطيع لوحته إلى مقاطع عرضية وطولية متوازية في اللون، وذات انسجام ممتع في تدريجاتها معبرة عن “نضج المقولات الداخلية”، في فضاء التجلي، وهو غير منشغل بالتبسيط والحياد، الأسود باب التداخل بالعماء المطلق، والأبيض انعكاس لجميع الألوان التي تشف عن كتل أجساد متداخلة، متحدة بقلق وترقب كرؤية للعالم، قوامها التشتت حول الفكرة الواحدة، عن تجربته والحرب، يقول: “مايزال لدينا سنوات طويلة لنتمكن من رؤية الحرب بمنظور آخر وعقل أكثر كثافة وأقل تشنجاً” نخط بالأسود لون الغموض، والتوغل في الزمن البعيد ثم نمحوه لنعود إلى هيبة البياض، يفكك المشهد ويعيد صياغته واقتناص الأثر الإنساني من خلال التكوين البصري كتكثيف الحياة.
الصخب اللوني
ألوانه الصاخبة لا تكف عن التهويم حتى يتبدى الاتقاد الداخلي مستشرفا عوالم قيد الانجاز، في عصر ينحدر بسرعة نحو التغول والتوحش، واللوحة تحتضن عبر تكويناتها هموم الإنسان ومعاناته، بتصاعد منتظم لبعد فلسفي فكري..على صعيد الأسلوب والتقنيات.
بطاقات
حين يرسم الوجوه المجردة وهي المرآة الحقيقية الحاملة لوعي وثقافة وأمل الكائن، يهتم بالتفاصيل كل جزء يحكي تاريخا مرسوما بدقة عبر التقاطيع، ومن الملاحظ أيضا غياب الملامح حين يرسم الجسد كاملا وكأنما لا ضرورة للملامح، فحركة الجسد هي الأصل، من أدق خطوط انكساراته حتى انضج تكورانه المغوية باتجاه الغامض من انفعالاتنا ووجوهنا، دون ملامح في إسقاط عن مرحلة محددة، لنكون أمام محو معلن في تحريض الدلالات وإثارة الأسئلة، عبر وجوه أبطاله وكأنهم من قلق يغسله الدمع كل صباح..
الزمكنة والتأمل كحامل جمالي
يحرر الصوفي المشهد من أسر الظرف.. في تجاوز للإرادة نحو التأمل،لإعادة صياغة العناصر برؤية مبتكرة، يقود اللحظات المنبثقة من التشكيل إلى الحضور البصري، مستخدما تقنيات الاكرليك والألوان الزيتية والكولاج ناقلا أرواح شخوصه ضمن عوالمها الداخلية، ويشير إلى أن لا تركنوا للمشهد ولا للشخوص فهي تتغير بسرعة مرعبة.. لوحته تحتفي البساطة والإغراق بالتشكيل الملغز، لصالح الإبداع، معلنا أن لا إيديولوجية لديه تسيطر على آلية الفن.
المرأة/ جماليات التكوين والرمز
الجسد الأنثوي يحتل حضورا فارقا في اللوحة من حرارة الألوان وتجانسها المشبع بالرمزية الخالصة ليتدخل وعي الفنان بكسر الرتم وتبسيط الخطوط منتقلا للتجريد كحامل لوني في مساحته المضاءة، وصولا إلى المناخات المستعصية في براعتها، وسهولة القراءة في رسالتها التشكيلية وصولاً إلى بلورة المعاني العميقة، في تشابك يزداد نضجاً مع تنامي التجربة.
وبين الانشغال بالهمّ العام والشخصي والعمل على الخلاص منه، اللوحة تحفز المخيلة للنزول إلى دوامات اللون، إمعانا في التحريضٍ على المزيد من الدهشة والافتتان كهوامش تالية لفكرته التي تفصح تجربه ذاتيه ومستقلة، معتبرا أن المواجهة مع سطح اللوحة يعني البحث عن نقاط الارتكاز ليتصادى اللون وتنفسح محدودية المكان في ملامسة لافحة للضوء، تتجاوز وتتصالح وتصطخب كائناته.. يرسم بحب وشوق وتوق وعنفوان وتمرد وصخب، لوحته تجمع بين الصمت والسكون لكثافة العناصر وثقلها التي تؤكدها الحركة الدائرية للضوء.
تحديد الشكل والكتلة
يعمل على تجريد المشهد وتكثيف الحوار الداخلي وصولا إلى منطقة الصدع أو الانجراف ومن بعدها التسامي والشغف، وهو باختصار التصالح مع موضوع اللوحة ليؤكد أن الفن بالإجمال هو سابق للحدث ويتقدمه بخطوة أو خطوات، هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الفن يستشرف الواقع وينبئ بالمتغيرات.
الإيقاع اللوني والشكل
الهرموني اللوني والشكل هو السمة الغالبة على أعمال احمد الصوفي من التجريدية إلى التعبيرية التي تكون أكثر فاعلية في تحقيق ما يصبو إليه، من منجز زيتي على سطح اللوحة، وهو يعمل على أنسنة المنجز البصري في هذا الحقل الجمالي المهم، الذي يُسهم في صياغة الرأي الفني وبناء التفكير البصري كموضوع على قدر كبير من الجمالية.
سمر محفوض