الرسوم المتحركة.. فترات مشاهدة طويلة أثناء الحجر الصحي.. ورسائل مشبوهة للأطفال
ازدادت ساعات تواجد الأطفال في المنزل نتيجة الإجراءات الاحترازية الصحية وطالت فترات مشاهدتهم للتلفاز، خاصة لعالم الخيال.. عالم الرسوم المتحركة للأطفال المعروضة على شاشة التلفاز بأدواته الساحرة من الصوت والصورة والألوان والمؤثرات الصوتية، والغريب أن الجميع يترك أطفاله في عهدة هذه البرامج التي تحمل الكثير من التأثيرات السلبية علىهم ، دون الانتباه لخطورتها على المنظومة التربوية والاجتماعية والأخلاقية؟.
غربية المنشأ
العديد من التصرفات التي يقلد بها الأطفال نجوم الكرتون تطرح الكثير من إشارات الاستفهام فغالبية أفلام الكرتون المعروضة على الشاشات المختلفة (غربية المنشأ)، وبالتالي يشاهد الطفل شخصيات وأحداثاً وعادات وتقاليد مغايرة تماماً لبيئته، فتنشأ لديه حاجات نفسية متناقضة بين ما يشاهده وما يعيشه داخل أسرته ومجتمعه، ما يؤثر سلباً على ردود فعله مع محيطه حسب رأي هلا عبد الباقي “باحثة اجتماعية” التي تؤكد على أنها رسائل غربية ممنهجة ضمن خطة مدروسة لتغيير عادات الأطفال وتعليمهم العنف، وتنمية السلوك العدواني لينفجر الطفل بطريقة مرعبة داخل مجتمعه، علاوة على رسائل العدوانية ضد المجتمع، وتحويل كل الاختلاف لخلاف حقيقي منوّهة بالمشاهد الموحية جنسياً، حيث يقوم الطفل بتقليد تلك السلوكيات السيئة دون غريزة حقيقية، ما يؤثر على تكوين شخصيته ونفسيته مستقبلاً. وفيما يتعلق بتأثير الرسوم المتحركة على علاقة الطفل مع المحيط أكدت عبد الباقي أن مشاهدة الطفل للرسوم المتحركة لساعات طويلة يومياً تسبب حالة إدمان، ما ينتج عنها العزلة والانطوائية عن المجتمع، مشيرة إلى أن الانطوائية من أهم سمات طيف التوحد عند الأطفال، من خلال عدم رغبة الطفل في المشاركة مع أقرانه باللعب والحوار معهم، وأضافت: كذلك تعمد بعض الرسوم المتحركة على تشجيع الطفل للقيام بسلوكيات خاطئة تجاه /الأهل/، والمعلم، وباقي أفراد المجتمع كـ(اللامبالاة- السخرية- الضرب- استخدام الألفاظ غير المهذبة- عدم الاحترام)، ما ينتج عنه إضعاف انتمائه للأسرة فالمجتمع ثم الوطن.
أداة تعلم
مجموعة من طلاب الدراسات العليا “تربية وعلم نفس” أكدوا أن للرسوم المتحركة آثاراً إيجابية (محدودة) مقارنة بسلبياتها، فهي أداة من وسائل التعلم، وتنمي خيال الطفل، وتساعد في تكوين عاداته وقيمه المناسبة لمجتمعه وإكسابه المهارات والخبرات مثل: التعاون مع الآخرين، بشرط أن تكون إنتاجاً وطنياً حقيقياً وجذاباً ذو رسالة تربوية وعلمية هادفة. وللحد من الآثار السلبية للرسوم المتحركة، وحذروا من بقاء الطفل وقتاً طويلاً أمام شاشة التلفاز لوحده، وإنما يجب مشاهدة الكرتون معه، لمدة زمنية محددة، وخلق حوارات معه أثناء وبعد المشاهدة، للتمييز بين الواقع والخيال، والخطأ والصحيح، والحق والباطل، إضافة إلى تقدير الأفعال الجيدة، واستئصال السلبي منها، مؤكدة أن النقطة المهمة جداً مشاهدة الأهل وتحليل ما يراه الطفل قبل رؤيته له.
ومن النصائح التي طرحوها تشجيع الطفل للاشتراك في النوادي الرياضية، ومراكز تعلم الفنون، لينشغل الطفل عن مشاهدة التلفاز نسبياً، إضافة لتعويد الأم الطفل على زيارة الحدائق والأقارب للمساعدة في تكوين شخصيته تكويناً جيداً وبناء ثقته بنفسه، وتنمية مواهبه.
تأثيرات سلبية
وبدوره الدكتور بشار الحمد “طبيب أطفال” أشار إلى اضطرابات التوتر النفسي الذهني الناتجة عن التأثيرات السلبية للرسوم المتحركة على سلوك الأطفال، حيث ذكر أنه يمكن ملاحظة الآثار السلبية للرسوم المتحركة من خلال مراقبة الأهل للطفل أثناء مشاهدته لبرامج الأطفال لساعات طويلة، حيث يصاب بحالة شرود ذهني وغياب وعي تام لدرجة أنه لا يستجيب عند مناداته باسمه، إضافة للحركات الانفعالية للعينين والوجه اللاإرادية، ما يؤثر على قدرته بالتواصل والانسجام مع الآخرين، أي حالة الخروج من الواقع واستحضار الكرتون.
وأشار إلى أن التأثير السلبي للكرتون على سلوك الطفل اليومي آني (وليد اللحظة)، ويمتد للمستقبل مؤدياً لنتائج خطيرة، خاصة التي تركز على مشاهد السحر والخيال والعنف وطرق الخيال والانتقام، وكل ما يفتح لهم آفاق الجريمة. وفيما يتعلق بالرسوم المتحركة المتضمنة مشاهد العنف والضرب أكد الدكتور الحمد على أن مشاهدة العنف على التلفاز تشجع الأطفال على التصرف العدواني، خاصة ضمن العائلة أو المدرسة، حيث تشير الدراسات إلى أن برامج الأفلام الكرتونية المخصصة للأطفال تحتوي على أعلى نسبة مشاهد العنف مقارنة بأية برامج أخرى، لافتاً إلى أن مرحلة الأطفال دون السادسة هي المرحلة الأكثر عرضة للتأثير كونها تتميز بالتفكير الخيالي (اللا واقعي)، ما يعني عدم قدرة الأطفال على التمييز بين الواقع والخيال التلفزيوني. وأضاف: من الآثار الخطيرة لمشاهدة الأطفال للعنف الإصابة بحالة اكتئاب واضطرابات النوم، إضافة للهلع والخوف، وضعف الشخصية، وأكد الدكتور أن جلوس الطفل لساعات طويلة أمام التلفاز دون أي جهد يسبب له السمنة، كما يؤثر على صحة عينيه.
سلاح ذو حدين
على الرغم من أن سلبيات الرسوم المتحركة تتفوق على إيجابياتها، ولكن يجب أن نذكر البعض من إيجابياتها “كما قال د .الحمد: إن مشاهدة الطفل للتلفاز بشكل عام وبرامج الأطفال بشكل خاص له تأثير إيجابي، ولكن جزئي بتنمية وتطوير شخصية الطفل، خاصةً في مجال تطوير النطق وزيادة رصيده اللغوي من خلال توظيفه للكلام بشكل صحيح وتحسين قدراته التواصلية، وبالتالي تقوية شخصيته والثقة بالذات، منوهاً بأن التلفزيون وحده لا يوفر للطفل فرص الاحتكاك والحوار والتواصل ليكون عنصراً ناشطاً وفعالاً.
الحلول المناسبة
وفيما يخص الحلول المناسبة لمعالجة السلوك السلبي للطفل الناتج من مشاهدته للرسوم المتحركة، أشار الدكتور الحمد إلى دور الأسرة في العملية التربوية، وترشيد الأطفال وتوجيههم لاختيار المواد والبرامج الصحية والمفيدة من خلال البرامج التلفزيونية المخصصة للأطفال، وكذلك دور المؤسسات التربوية (روضة- مدرسة)، والمجتمع، والجهات المعنية، بوضع نظام تربوي يرتقي بمستوى أطفالنا.
التحقيقات