“حارس القدس”.. عمل فني بمضمون كبير
يتنقَّل المخرج باسل الخطيب بين السينما والتلفزيون، وتؤكد أعماله التلفزيونية الهامة أن هذا التنقل لم يكن في يوم من الأيام عبارة عن نزوات أو رغبات طارئة وإنما عن سابق إصرار وتصميم.. من هنا، وبعد إنجازه “حرائر”، عام 2015، أعلن عودته اليوم للتلفزيون من خلال “حارس القدس” – نص حسن م. يوسف – وقد حقق نجاحاً كبيراً منذ الحلقات الأولى له ضمن موسم حفل بالأعمال الدرامية المتنوعة.
سيرة ذاتية
المخرج الخطيب من المخرجين العرب القلائل الذين تستهويهم أعمال السيرة الذاتية، ويُعد عمله “نزار قباني” آخر ما أخرجه في هذا المجال، عام 2005 – سيناريو قمر الزمان علوش، بطولة سلوم حداد وتيم حسن – ولا يخفى على أحد أن هذه النوعية من الأعمال تحتاج أولاً وأخيراً لمخرج لديه روح التحدي ويمتلك من الإمكانيات المهنية الشيء الكثير، إلى جانب الثقافة عالية المستوى لترجمة أهم ما في السيرة وبثّ رسائلها في الوقت والشكل الفني المناسبين، متجاوزاً كل المخاطر التي تحيط بهكذا أعمال.
يلفت الخطيب إلى أن ميزة هذه النوعية من الأعمال تكمن في إمكانية الحديث عن الشخصية والزمن الذي عاشت فيه.. من هنا فإن الحديث عن المطران كبوجي في المسلسل لا يقتصر على تقديم سيرة ذاتية لرجل دين مقاوم تعرَّض للاعتقال والنفي وإنما تسليط الضوء على مرحلة مهمة من تاريخنا المعاصر وهي الفترة التي عاشها المطران ما بين 1920 و2017 وهي فترة زمنية فيها كمّ كبير من الأحداث التي مرت على أمتنا العربية، منوهاً إلى أن أي صانع لعمل يجب ألا يتوهم أن كل الناس ستحبه، خصوصاً إذا كان عملاً إشكالياً، مع تأكيده على أن المسلسل قُدم بإخلاص وصدق وحب، وأنه عمل فني بمضمون كبير، وقد قُدم بإمكانيات مادية تتوافق مع الظروف التي نعيشها في سورية، معترفاً أن مثل هذه الأعمال قد لا تلقى صدى عند بعض المحطات لأهداف سياسية، ومع هذا فإن ذلك لن يثنيه عن إنجازها وهو الذي قدم كل الأعمال التي يريدها، وقد كان ومازال يشعر أن أي خيار يجب أن يكون على صلة مباشرة بالتحديات وما يمليه عليه واجبه.
لنشاهد بقلبنا وعقلنا
الكاتب حسن م. يوسف أشار إلى أهمية العمل وعرضه في الوقت الذي يحاول فيه البعض إجهاض القضية الفلسطينية، خاصة وأن المطران كبوجي لم يكن مجرد مساهم في صياغة أحداث المنطقة بل رأى المستقبل حين قال في كتابه “ذكريات السجن” (1979) أن الحرب الأهلية في لبنان كان هدفها سورية، وهو بذلك رأى ما يجري الآن قبل 40 سنة لأنه وضع يده على مفاتيح ما يجري في المنطقة.. من هنا دعا يوسف إلى أن نشاهد المسلسل بقلوبنا وعقولنا، مع إشارته إلى أن العمل غطى فترة زمنية طويلة بعدد من الساعات الدرامية، وهذا يأخذنا إلى جوهر الفن “أرقى أشكال الاقتصاد”، موضحاً أنه بنى شخصيات غير شخصية المطران أخذ منها ما يعزز شخصية المطران كما تحدث عنها المطران وكما وصفها، وبعض هذه الشخصيات سياسية وما زالت حية أو ما زالت حاضرة في الذاكرة، وهذا أمر ليس بالسهل، مبيناً أن الفن والأدب في تاريخ كل الشعوب الحية يستحضران في لحظات مصيرية معينة الشخصيات المهمة، وبالتالي فإن استحضار شخصية المطران كبوجي هو إحياء لمجموعة من القيم والمبادئ التي نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت آخر، متمنياً أن تصل رسائل العمل وأن ينال الرضى والنجاح، مع إشارته إلى أن النقد شيء طبيعي وأن العمل الذي لا يقابَل بنقد سلبي أو إيجابي هو عمل ميت.. إن العمل الذي لا يدافع عن نفسه ليس جديراً بالدفاع عنه.
مناضل استثنائي
يروي مسلسل “حارس القدس” سيرة المطران هيلاريون كبوجي، وهو أوّل إنتاج درامي يتناول شخصية رجل دين على مستوى سورية والوطن العربي، ويكتسب العمل أهميته من أنه يُقَدّم سيرة إنسان ورجل دين ومناضل استثنائي كان شاهداً ومشاركاً في أهم الأحداث التي عصفت بمنطقتنا بدءاً من نكبة فلسطين عام 1948، وانتهاءً بالحرب على سورية التي كان خلالها ورغم تقدمه بالعمر مشاركاً في دعم سورية وجيشها وشعبها بإرسال التبرعات والمعونات وإقامة المحاضرات في أماكن مختلفة من العالم لشرح حقيقة المؤامرة التي تتعرض لها سورية، حيث يسلط العمل الضوء على حياة المطران كبوجي بدءاً من طفولته في حلب حيث بدأت تتضح معالم شخصيته في تمرده ورفضه لكل أشكال الظلم والقهر ومحبته لفعل الخير ومد يد العون لمن يحتاج إليها، مروراً بمرحلة دراسته علم اللاهوت والفلسفة في دير الشير بجبل لبنان وفي معهد القديسة حنة بالقدس ليعمل لاحقاً نائباً عاماً للبطريرك مكسيموس الرابع في ريف دمشق، حيث ساهم في تحسين أوضاع الرعية المسيحيين وحثّهم على هدم الهجرة والبقاء في أراضيهم ليعود من جديد إلى القدس عام 1965 مطراناً للروم الملكيين الكاثوليك، ولتبدأ مرحلة هامة من حياته كان فيها من جهة راعياً صالحاً لشؤون رعيته وكنيسته، ومن جهة أخرى مناضلاً في سبيل استعادة الشعب الفلسطيني حريته وحقوقه المشروعة، حيث حوكم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتهمة دعمه للمقاومة الفلسطينية في محاكمة طويلة تُعتبر من أشهر محاكمات القرن العشرين، وسُجِن لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتدخل الفاتيكان لإطلاق سراحه المشروط بإبعاده عن فلسطين ومنعه من زيارة أية دولة عربية وعدم ممارسته لأي نشاط سياسي.
جسَّد شخصية المطران كبوجي في كبره الفنان رشيد عساف، وفي شبابه الفنان إيهاب شعبان، وفي طفولته ربيع جان، وشارك في المسلسل عدد كبير من الفنانين، نذكر منهم: سامية وصباح الجزائري، أمل عرفة، سليم صبري، آمال سعد الدين، نادين قدور، ليا مباردي، أمير برازي، ربى الحلبي، عهد ديب، جمال نصار، غسان عزب، ترف التقي، يحيى بيازي.
أمينة عباس