إشارات استفهام حول كفاءة شركات صناعة الأدوية.. وسجالات حول الأسعار!!
في خضم جائحة فيروس كورونا والوقاية منه تكثر إشارات الاستفهام عن مدى قدرتنا على تصنيع الأدوية اللازمة لتقوية المناعة بعد تنوع أزماتنا، وحول توفر الأدوية، وجودتها، وأسعارها بعد انقطاع العديد من الأصناف وفقدانها من الصيدليات، إضافة لغلاء الأطعمة البسيطة، والمساعدة على رفع المناعة مع بداية الحجر المنزلي، ومسلسلات تحليق الأسعار التي تشتعل مع شهر رمضان الكريم، والتي لا تحوي عقدة درامية، ولا بيت قصيد، ولا حلقة أخيرة، لكنها تحوي البطل المقهور دائماً، ألا وهو المواطن، ويتجدد التساؤل كالعادة: هل حقاً تم تهويل كورونا للتخلص من الاقتصادات الفقيرة؟
جمود إداري
الدكتور علاء أصفري، طبيب أسنان، مدير إدارة التسويق لشركة اوشر فارما، أكد كفاءة شركات الأدوية السورية على إنتاج كافة أنواع الأدوية، والمواد الطبية المساعدة، سواء لرفع المناعة، أو الوقاية من فيروس كورونا، أو غيره من الأمراض، وأننا وصلنا لمرحلة الإبداع في عقلية هذه الصناعات، وأوضح أن المشكلات في هذا القطاع تكمن بفقدان المرونة في تسعير الأدوية، حيث يتم تحديد التسعيرة للصناعي أو المستورد على أنه استورد المواد اللازمة لمصنعه وفق سعر الدولار المدعوم، وهذا يؤدي لفقدان بعض أصناف الأدوية الهامة من أسواقنا، كونه لا توجد إمكانية تغطية كامل المبلغ اللازم للاستيراد وفق سعر مصرف سورية المركزي بسبب ظروف الحصار التي يعانيها القطر، وأمام ذلك سيحصل انفصام في عملية صناعة الأدوية، وخسائر فادحة لمصانع أو مستودعات الأدوية في حال استمرار طرحها للأدوية وفق الأسعار الرسمية، كما أن وزارة الصحة، رغم كل سعيها لضبط الأسعار لصالح المواطن باعتبار الدواء خطاً أحمر، لن تتمكن من ذلك في ظل هذه الظروف.
أما بالنسبة للصعوبات الإدارية التي تعيق قطاع صناع الأدوية فنوّه الأصفري إلى أنها تتمثّل في صعوبات الروتين، والبيروقراطية، وبطء الإجراءات في وزارة الصحة، وعدم الدراسة الحقيقية لجودة وثبات المادة، على سبيل المثال، تستغرق الموافقة على الاسم التجاري، وعبوة المنتج، والغلاف، والنشرة الداخلية للدواء أشهراً، في حين يفترض أن مثل هذه الإجراءات يجب أن يتم إنجازها خلال أيام لطرح المنتجات الدوائية في السوق بأسرع وقت ممكن.
وحول تساؤلنا إن كان هناك تهويل للجائحة نوّه الأصفري إلى أن كورونا جائحة قوية وليست سهلة، ولكن مع ذلك يرى أن هناك تهويلاً إعلامياً ومن معظم دول العالم.
ضرورة المنافسة
هناك تخبط وعدم وضوح في مجال الأدوية عموماً، والأدوية الرافعة للمناعة خصوصاً مثل الفيتامين ث، والزنك، وزيت السمك، وقد لوحظ ازدياد الدعاية من الشركات للمنتجات التي ترفع المناعة على المدى الطويل، فهناك فرصة ربحية وموسم لهذه الشركات في الوقت الراهن وفقاً لما أكدته منال محمد، صيدلانية، محاضرة في جامعتي طرطوس والوادي، وأن انقطاع بعض أصناف الأدوية الوطنية والأجنبية في مثل هذه الظروف حالة طبيعية، لأن معظم القطاعات والأعمال متوقفة، وتعتقد أن هناك مخططاً محبوكاً من بعض شركات الأدوية لزيادة أرباحها منذ بداية الحرب على سورية، وتفاقمت مع الحصار الاقتصادي، فعند كل طفرة في أسعار الصرف في السوق السوداء خارجياً تنقطع مجموعة من الأدوية الهامة، ومن ثم تظهر مع السعر الجديد، وهذا مرده لقيام بعض الشركات بتخزين تلك الأدوية وخاصة الأجنبية، والجشع والطمع، والحل يكمن بعودة الدواء الوطني لجودته، وتكثيف عدد المنتجين، بحيث تحتدم المنافسة بينهم على الدواء الأفضل بالسعر الأمثل، ونفت محمد درايتها إن كان تحرير سعر الدواء سيحل من مشاكله، أم سيزيدها، فهناك وجهات نظر كثيرة للمنتجين، والمستوردين، والصيادلة، ولا نعلم أفضلها عملياً كون كل طرف يلاحق مصلحته الخاصة، وللأسف وضع الأدوية لا يمكن وصفه بالجيد، ولا توجد رؤية واضحة في الفترة الراهنة، وحول سؤالنا إن كان هناك تهويل أو فبركة لموضوع الفيروس، أكدت محمد أن هناك كماً هائلاً من التهويل ونشر الهلع، وكل ذلك من صناعة الإعلام الأمريكي، ويخدم غاياته ومشاريعه، ولا تستبعد أن يكون الفيروس نتاج حرب بيولوجية، وتنفي نظرية أن يكون قد انتشر بالخطأ، فما يحدث غير طبيعي نهائياً، وتعتقد محمد أن ما حدث حرب بيولوجية، لكنها انحرفت عن مسارها، ولم يعد بالإمكان السيطرة عليها، وبشكل يشبه ما فعلته قناة الجزيرة عندما كانت تبث مقاطع فيديو مشوشة ومفبركة، وتستعين بروايات ملفقة وشهادات شهود العيان لتأجيج الحرب والخراب، ولكن في النهاية واجبنا الحرص، والابتعاد عن اللامبالاة.
للأغنياء فقط!!
تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي “وصايا” عن كيفية التعامل مع فيروس كورونا، أهمها المغذيات الملائمة لتقوية مناعة الجسم، وتناول الفواكه الطازجة حتى لو طال ثمنها السماء، ورغم أنها أصبحت من الرفاهيات، يحفرون رؤوسنا بفيديوهات عن الراحة في المنزل خلال فترة الحجر، وكيفية العمل من منزلك، هذا في حال أنك مازلت تملك عملاً وفقاً لما أكدته شذى عواد، صحفية سورية، مراسلة إذاعة سوريانا من أمريكا، وتتساءل: ما العمل إن كنت تملك منزلاً صغيراً عدد أفراده يتجاوز الأربعة أشخاص، وكنت تعمل سائق سيارة أجرة، أو عاملاً يحصل على أجر ساعي، أو كان لديك محل تجاري تقتات منه، واعتزلت مجبراً لا بطل، كيف ستقوى على مبارزة فيروس وأنت فارغ الجيوب، مع العلم أن الفيروس يصيب الفقير والغني، ولكن كيف لمن لا يملك ثمن طعامه اليومي أن يلهث وراء ثمن الفيتامينات والأطعمة المضادة للفيروس؟ وهل سينتظر الجائع تحركات الفيروس البهلوانية، ونشرات الأخبار الأنيقة المهتمة بالصحة العقلية، والاكتئاب، وكيفية الوقاية؟ وكيف سيحتمل محتاج الأسعار النارية التي قفزت لحظة الإعلان عن انتشار الوباء؟.
قد يكون كورونا ساوى بين البشر بالإصابة فقط، ولكن ليس بالمقاومة، والوقاية، والعلاج، فشر الوباء كشر الغلاء، والخوف من الجوع لا يقل شأناً عن تهديد الفيروس، ومن يركب البحر لا يتجرأ حتى على الخشية من الغرق.
اشتر حاجتك
مع انتشار آثار الحجر، وأهمها غلاء الأسعار، انطلقت حملات لتوعية المستهلك مثل (اشتر حاجتك)، فردد الكثيرون مقولات مفادها أن الأغلبية لا يشترون احتياجاتهم اليومية بل أقل، لكن هناك أسئلة تجول بخاطري، يقول المحلل الاقتصادي عامر ديب، ومن المنطقي الإجابة عنها من منظور اقتصاد السوق، وليس من منظور عاطفي فوضوي، فإذا كان الأكثرية يشترون أقل من احتياجاتهم، فمن أين يأتي الطلب المتزايد على السلع الغذائية الذي جعل معظم التجار ومصنعي الأغذية يتحكمون بالأسعار، ألم نشاهد الكثير من الصور لربطات خبز مرمية إلى جانب الحاويات رغم أننا نشكو الفقر؟ ومع ذلك كله فإن هناك أمرين يجب الإشارة لهما: الأول أن تجار الأغذية منذ بداية الإعلان عن فيروس كورونا بالدول المجاورة بدؤوا بحملات تخويف منظمة، وإثارة الرعب في النفوس، وحرّكوا أدواتهم، سواء عبر منشورات الفيسبوك، أو من خلال بث الشائعات قبل وصول المرض إلى سورية، وذلك لدفع الناس لشراء البضائع بكميات كبيرة، وليضغطوا على مصرف سورية المركزي للحصول على تمويل المستوردات بسعر الصرف المدعوم بعدما تم إيقافه حفاظاً على نقدنا من الهدر، وعندما فشل هؤلاء قادوا حملة شعواء ضد أداء الحكومة التي أثبتت وزارتها أداء جيداً في مواجهة الكورونا، باستثناء وزارة التموين.
الأمر الثاني والأهم أن التجار روّجوا لنقص المواد الغذائية لدفع الناس للشراء بكميات كبيرة، وتحقيق أرباح خيالية، فقام المواطنون نتيجة عدم وعيهم بخدمة هؤلاء التجار بشراء البضائع الكاسدة، أو حتى التي شارفت صلاحياتها على الانتهاء، إضافة لقيام بعض التجار بالخلط والغش والتلاعب بوزن المواد والسلع الغذائية مستغلين كثافة الطلب.
ويتابع ديب: على المستهلك أن يدرك معنى أن يشتري حاجته، وطبخة يومه، فتحديد الشراء حسب الحاجة بشكل يومي سيؤدي لخفض كميات الطلب، وزيادة كمية البضائع المخزنة لمدة أطول، ما سيعرّضها إما للتلف، أو طرحها بالأسواق ولو بأسعار تؤدي للخسارة، وهذا كله سيضعف من سيطرة التجار، ويعزز القوة الشرائية لليرتنا.
بشار محي الدين المحمد