مقابلة مع السيد آدم.. بيضة القبان
واحد من الأعمال التي حظيت بأكبر نسب متابعة ومن شرائح عمرية مختلفة من الجمهور بهذا الموسم 2020، هو مسلسل “مقابلة مع السيد آدم” -تأليف وإخراج: فادي سليم-سيناريو شادي كيوان-وهذه أول ميزة للعمل، فكتابة السيناريو عمل منفصل تماماً عن التأليف أو الحكاية، والعديد من الأعمال الدرامية سقطت فنياً بسبب الضعف الكارثي للسيناريو الذي نُسج لها، فضعف السيناريو وبالتالي الحبكة الرئيسية والحبكات المرافقة، يعني ضعف الأداء، وهذا ما سمح لحكاية فادي سليم أن تأخذ أبعادها المطلوبة على الورق، طبيعة الشخصيات، تطور الأحداث، وقوع الذرى الكبرى والصغرى، ما سهل عليه العمل على أداء الممثلين، -أهم أعمال المخرج- الأمر الذي جاء بنتيجة إيجابية ومرضية.
المسلسل ينتمي إلى عالم دراما الجريمة والتشويق، يحضر فيه الشق البوليسي بتصاعد متواتر مع الأحداث، ما يضفي على القصة مزيداً من الغموض المبرر، وبالتالي يحصل التشويق المطلوب، عدا عن كون التنويع في الحكايات المقدمة ضمن نفس النوع، جعل الإقبال واسعاً على متابعة المسلسل وسط رداءة المشهد الدرامي المحلي لهذا الموسم، فما الذي يريده المشاهد في النهاية؟ يريد عملاً يمتعه في مختلف مفرداته التي يجب أن تكون منسجمة، وهذا ما فعله “مقابلة مع السيد آدم”، القصة، الحوار، الأداء، الإضاءة، التصوير، الموسيقا، المزاج اللوني العام، كلها مجتمعة هنا لخدمة القصة، لا لتعيق أياً من تفاصيلها، كما يحدث مثلاً في الأعمال التي تصبح فيها الصورة -ومنها ما يسمى: شعرية الصورة” الأكثر شيوعاً بين مخرجينا اليوم- هي مركز الحدث، ولا تبقى أحداث من أساسه إلا على هامشها، أيضاً حركات الكاميرا جاءت قليلة ومن زوايا محترفة، مريحة للنظر، حتى ارتيابها الخفيف، يحدث في الذروة ويكون في خدمة هذه الذروة، لا كما حدث في بعض الأعمال بتقديمها صوراً “مرتجة” يكاد يدوخ المشاهد في حال استمر بمتابعتها!.
هنا لدينا مخرج يعرف تماماً ماذا يريد، الحكاية واضحة ومحسومة بالنسبة إليه، والسيناريو جاء منضبطاً بما تحتمله الفكرة، بعيداً عن الثرثرة والمطمطة، فاتحاً المجال فسيحاً للفعل الدرامي، لوقوع الحدث، لتتابع الأفعال، فالدراما حدث يقع، فعل، وما يحدث في معظم أعمال هذا الموسم، أن الأحداث تُحكى على لسان الشخصيات، لا تقع، لا نراها كجمهور، وبالتالي عدم مشاهدة العمل أو التعامل مع التلفاز على أنه راديو، سيحل مشكلة المتابعة لمن يود بالنسبة لهذه الأعمال، وهذه واحدة من أخطر أمراض الدراما، وهنا تأتي أهمية “بناء السيناريو” العملية الأعقد في العمل الدرامي، فالتصوير هو المرحلة الأسهل.
دكتور في العلم الجنائي –أدى دوره القدير غسان مسعود-يعمل مع أحد أقسام مكافحة جرائم القتل، ولتقاريره الشرعية لدى وقوع جريمة قتل دورها الحاسم في مصير الأحداث، واحدة من علامات جودة هذا العمل، هو استخدام تقنية “القصة داخل القصة”، فضمن حكاية سالي –سلمى جلال-ومعتصم –السدير مسعود- تقع قصة ضمنية من مسببات الحدث، اختطاف ابنة الدكتور آدم المريضة، ثم موتها بالخطأ على يدي مختطفيها، والذين يعملون لحساب كل من معتصم وديالى –الشخصية الرابطة- أدت دورها الفنانة رنا شميص، وهي زوجة يوسف ابن الدكتور آدم–أدى دوره الفنان لجين إسماعيل- لتصبح جريمة القتل الأولى بالنسبة للدكتور، هي مفتاح جريمة قتل ابنته، وهكذا تبدأ الأحداث بالتكشف ببراعة، محتفظة بالتشويق المطلوب، المصحوب كما أسلفنا ببقية المفردات الفنية التي تزيد من جرعة التشويق، وبالتالي ترفع من حالة انتظار الأحداث القادمة.
قصص بسيطة في ظاهرة، مقدمة بأداء منضبط بالسيناريو، إخراج متوازن وعارف بأشغال الأداء وحركات الكاميرا، مونتاج يراعي بشدة بين زمن المشهد والحدث، صورة مريحة للنظر، هذا ببساطة ما جعل من مسلسل “مقابلة مع السيد آدم” واحداً من أهم الأعمال الدرامية المقدمة هذا الموسم والأكثر متابعة، هذا يؤكد بدوره أن الحديث عن دراما الواقع وملامسة الواقع ونقل الواقع إلخ، ليست هي المطلوبة فقط، فالفن أولاً للمتعة الراقية، وليس مطلوباً أيضاً من الدراما أن تكون حمالة قضايا كبرى لتكون جيدة، أو ليرغبها الجمهور، فالجمهور يعنيه أن يشاهد عملاً جيداً بمختلف أشغاله الفنية، قصة مشوقة، إخراج متزن، أداء جيد، هذا لا يعني بالتأكيد غياب الأنواع الأخرى، لكن شريطة أن تتمتع بسوية فنية جيدة، فالشخصية وحدها مهما عظم شأنها لا تحمل القصة، الصورة وحدها مهما كانت جميلة، إن لم تكن موظفة لخدمة القصة، لا تنجح بالقبض على المشاهد، الأداء مهما كان رفيعاً، لا يستطيع أن يحمل قصة ضعيفة.
لا بد من لفت الانتباه إلى الأداء الجيد الذي يقدمه الفنان “محمد الأحمد” في العمل المذكور –شخصية المقدم ورد- وإن كان قد ظهر في أدوار من هذا النوع سابقاً، إلا أن أداءه جاء فيها متشابهاً، نمطياً، وهذا مرده وفق رأي شخصي ضعف السيناريو، لكن الأداء الذي يظهر به هنا، يدل على الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها هذا الفنان، ولم تزل بحاجة لاستخراجها.
هذا وغيره من التفاصيل التي اشتغل عليها صُناع “مقابلة مع السيد آدم” ساهم في تصدر هذا العمل قائمة المشاهدة التلفزيونية والرقمية، والعنصر الأهم في نجاح هذا العمل أيضاً، احترام الجمهور، الأسرة، وذلك في نبذ الابتذال السائد، السوقية، العري المجاني، وهذه من بعض أخطر أمراض درامانا التي تعاني هذا الموسم، كما لم يحدث معها سابقاً! لهذا يمكننا أن نسمي أو نطلق لقب “بيضة القبان” على “مقابلة مع السيد آدم”، فهذا عدا عن كونه هو الواقع فعلاً هذا الموسم، هو مبشر بسوية فنية جدية في أعمال درامية مقبلة، أهم ما فيها أن صُناعها يدركون ما يفعلون!.
تمّام علي بركات