إلى متى التضليل..!
ترجمة وإعداد: علاء العطار
نشر الصحافي آرون ماتيه على موقع “غْريْ زون” الإخباري بضعة تسريبات جديدة صادمة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تسريبات تُشير بما لا يدع مجالاً للشك أن المنظمة، والمعنيين فيها بتزييف الأخبار وتحريفها، كانوا يكذبون بشأن التحقيق في هجوم كيميائي مزعوم في دوما قبل نحو عامين.
سُرّب في أيار الماضي التقييم الفني الذي وقع عليه مفتش المنظمة إيان هندرسون إلى الفريق العامل في سورية، وإلى وسائل الإعلام والدعاية، وورد فيه أن أسطوانات الكلور التي يُزعم أن طائرات ألقتها على الموقع “وُضعت وضع اليد” هناك، وهذا يتناقض مع النتائج الرسمية الصادرة عن المنظمة، وبما أن تنظيم “جيش الإسلام” الإرهابي التابع لتنظيم “القاعدة” والممول من السعودية كان يحتل دوما آنذاك ليقاتل الحكومة السورية متخذاً من سكانها دروعاً بشرية، فهذا يعني أن الحكومة السورية لن تُقدم على عمل يفضي إلى قتل عشرات المدنيين من شعبها، وما سيترتب عليه من عواقب شديدة الخطورة، إذ إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ستتخذه ذريعة لضرب سورية، وهو ما حدث للأسف بالرغم من براءة الحكومة السورية مما يدعون.
ومنذ اللحظة التي ظهرت فيها وثيقة هندرسون المسربة، رفضت المنظمة والمستشارون الإعلاميون الغربيون، المسؤولون عن إدارة الأكاذيب الإخبارية بشأن سورية، تقييم هندرسون الفني على أساس أنه لم يكن جزءاً من بعثة تقصي الحقائق التي ذهبت إلى دوما للتحقيق في الحادثة، وظهر منذ ذلك الوقت أدلة كثيرة جداً تؤيد تقييم هندرسون وتكشف أن محاولات وصفه بأنه لم يكن جزءاً من الفريق ما هي إلا مناورات مراوغة لا غير، لكن التسريبات الجديدة التي نشرها موقع غري زون تعد أول دليل دامغ على أن هذا اللف والدوران كذبة وقحة.
تتضمّن الوثائق المسربة مذكرة تخطيط أمني بعنوان “أفراد البعثة”، وينص بشكل واضح على إدراج هندرسون كعضو في البعثة، كما تتضمّن الوثائق رسالة من مكتب المدير العام للمنظمة آنذاك، أحمد أوزومجو، يطلب فيها أن يتولى هندرسون قيادة عمليات التفتيش في دوما، وهذا يتناقض مع إصرار المدير العام الحالي، فرناندو أرياس، على أن هندرسون “لعب دوراً ثانوياً مسانداً في التحقيق بواقعة دوما”.
كذب المدير العام ومن لفّ لفّه على العالم بشأن تحقيق دوما، إذ تبين الوثائق المسربة الجديدة بوضوح لا لبس فيه أن هندرسون كان جزءاً من الفريق ولعب دوراً رئيسياً في التحقيق، وأن مسؤولي المنظمة كذبوا علينا.
قال أرياس في بيان أدلاه في شباط الفائت: “اسمحوا لي أن أنتقل إلى نتائج التحقيق بخصوص المفتش (أ)”، ويقصد هنا المفتش هندرسون، وتابع: “عمل المفتش (أ) لأول مرة في المنظمة من حزيران عام 1997 إلى كانون الأول عام 2005، وترقى في النهاية إلى منصب رئيس فريق، ثم أعيد تعيينه في منصب أدنى في حزيران عام 2016، وعمل في منظمة الأسلحة الكيميائية حتى أيار عام 2019، لذا لم يكن المفتش (أ) عضواً في بعثة تقصي الحقائق”.
وجاء في مذكرة صدرت في شباط الماضي عن الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية: “لم يكن المفتش (أ) عضواً في بعثة تقصي الحقائق، ولم يُدرج اسمه في التفويضات الصادرة عن المنظمة لانتشار فريق البعثة، وساند فريق البعثة في التحقيق بواقعة دوما منذ أن كان في مركز القيادة في دمشق في الوقت المذكور، فمن المعتاد أن يساعد المفتش العامل في مركز القيادة بعثة تقصي الحقائق، لكن المفتش (أ) أدى دوراً ثانوياً مسانداً في تحقيق البعثة”.
كل ذلك أكاذيب واتهامات باطلة، وظلوا يكررونها مراراً بطرق مختلفة منذ تكشفت فضيحة المنظمة لأول مرة، وظلت ترددها وكالات الأنباء وكأنها حقيقة دون تمحيص، كـ “وكالتي فرانس برس ورويترز”، إلى جانب المستشارين الإعلاميين الغربيين، أمثال نيك والتر وبراين ويتكر وإليون هيغينز.
وأشار الصحافي ماتيه إلى أن كل هؤلاء فقدوا مصداقيتهم تماماً، وأفاد أن مزيداً من التسريبات في طريقها إلى التكشف، وكتب أن “الجزء الثاني من هذا المقال” سيعالج قريباً الاتهامات الباطلة التي صوّبها المخبر الذي سرّبها.
وتبيّن خلال فضيحة منظمة الأسلحة الكيميائية أن مسؤولين أمريكيين حاولوا التدخل في التحقيق، ودفع مفتشو المنظمة إلى التوصل إلى استنتاجات تدين الحكومة السورية، وهذه المرة لن تكون الأولى التي تلقي فيها الحكومة الأمريكية بثقلها لجعل المنظمة تتماشى مع أجنداتها في تغيير الأنظمة التي ترفض هيمنتها، إذ تلوح بعصا قطع التمويل عن المنظمة، وذكرت تقارير أن جون بولتون هدد مدير المنظمة العام بإيذاء أطفاله إن لم يساعد في بناء هذه القضية.
بذلت الولايات المتحدة كل ما بوسعها لشن ضربات عسكرية على سورية على أساس أدلة ضئيلة أو معدومة دون عواقب على المستوى الدولي، لذا هنالك الكثير من المخاطر التي تحيق بالقتلة الفاسدين المسؤولين عن أقوى قوة عسكرية في تاريخ الحضارة، ومن المنطقي تماماً أن يبذلوا كل جهدهم لإخفاء الحقيقة.