بالوثائق .. حرب الوكلاء على سورية
علي اليوسف
لا شك أن المشاغلة العسكرية المستمرة في محافظة إدلب من قبل النظام التركي، والتنسيق مع المتورطين الآخرين، ومنهم الكيان الإسرائيلي، في أماكن أخرى من سورية هي استمرار لحرب الوكلاء الأوسع نطاقاً لواشنطن منذ 9 سنوات. وعلى مدى عدوان النظام التركي على سورية، واصل الكيان الإسرائيلي شن هجمات على أهداف عسكرية في دمشق، وريف دمشق، وحمص، والقنيطرة ومناطق أخرى، وكانت في أغلب الأحيان متلازمة مع العدوان التركي.
على الرغم من أن الكيان الإسرائيلي والنظام التركي غالباً ما يتظاهران بأنهما على خلاف مع بعضهما البعض بشأن بعض القضايا ، إلا أنهما كانا ينسقان العنف ضد سورية منذ عام 2011 وفقاً للخطط الأمريكية الموصوفة بالتفصيل في أوراق السياسة الأمريكية.
فقد كشفت التقارير الأمريكية عن استخدام النظام التركي والكيان الإسرائيلي كوكلاء في وقت مبكر من عام 1983 للإطاحة بالحكومة السورية. ولعل وثيقة 1983 – وهي جزء من طوفان من الأوراق السرية التي تم نشرها للجمهور – الموقعة من قبل ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق غراهام فولر بعنوان Bringing Real” Muscle to Bear Against Syria ” أي “جلب العضلات الحقيقية ضد سورية” هي من إحدى أهم الوثائق التي تكشف عن دور الولايات المتحدة ووكلائها في الحرب على سورية. تقول وثيقة 1983: “لدى سورية في الوقت الحاضر خطر على المصالح الأمريكية في كل من لبنان والخليج. يجب على الولايات المتحدة أن تنظر في تصعيد حاد للضغط على الأسد (الأب) من خلال تنظيم التهديدات العسكرية المتزامنة ضد سورية من ثلاث دول حدودية معادية لسورية، العراق وإسرائيل وتركيا”. وتذكر الوثيقة أيضاً: إذا قامت إسرائيل بزيادة التوترات ضد سورية في وقت واحد بمبادرة عراقية، فإن الضغوط على الرئيس الأسد ستتصاعد بسرعة. خطوة تركية ستضغط عليه نفسياً أكثر “.
في عام 2012 – لتوضيح كيف لم يتم استبعاد هذه الخطط من على الطاولة، وتم تحديثها وسط حرب الوكيل الأمريكي الأحدث لعام 2011 ضد سورية – ستقوم مؤسسة الأبحاث السياسية الممولة من الشركات – معهد بروكينغز – بنشر ورقة بعنوان “Saving Syria: Assessing Options for Regime Change” أي “إنقاذ سورية: تقييم خيارات تغيير النظام”.
تقول مؤسسة الأبحاث السياسية في ورقتها: “يمكن لإسرائيل أن تضع قواتها على مرتفعات الجولان أو بالقرب منها، وبذلك، قد تمنع قوات النظام من قمع المعارضة. قد يستدعي هذا الموقف المخاوف في نظام الأسد من حرب متعددة الجبهات، خاصة إذا كانت تركيا مستعدة لفعل الشيء نفسه على حدودها. وإذا تم دعم المعارضة السورية بنظام ثابت من الأسلحة والتدريب، ربما يمكن لمثل هذه التعبئة أن تسقط الدولة السورية”.
هذه المحاولة لخلق “حرب متعددة الجبهات” وسط الحرب الإرهابية على سورية هي عملية تستمر علانية حتى يومنا هذا ضد الحكومة السورية بهدف تقسيم القوات السورية وعكس اتجاه سورية، والدليل حين اندلعت المشكلة لفترة وجيزة على طول الحدود السورية الأردنية، قامت الولايات المتحدة – مثلما فعلت على طول الحدود السورية التركية – بتمويل الإرهابيين المسلحين وتدريبهم وتجهيزهم قبل إرسالهم إلى سورية للقتال.
وعلى الرغم من محاولة واشنطن تصوير نفسها على أنها تريد الانسحاب من عدة مسارح للعدوان العسكري والاحتلال والمواجهة حول العالم، إلا أنه لا يوجد دليل فعلي يذكر على أنها تفعل ذلك. بدلاً من ذلك، يبدو أنها تحاول إخفاء يدها فقط من خلال التأجيل بشكل متزايد إلى الوكلاء. لكن تم كسر هدوئها النسبي فيما يتعلق بسورية عندما شوهد ممثلون أمريكيون يزورون الحدود التركية السورية وحتى يلتقون مع المنتسبين إلى تنظيم “القاعدة”، وما يسمى “الخوذ البيضاء”.
وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن المسؤولين الأمريكيين يزورون حدود تركيا مع سورية، ويؤكدون دعم حليف الناتو. وقالت الصحيفة: ” قام ثلاثة من كبار المسؤولين الأمريكيين بجولة على حدود تركيا مع سورية، حتى عبروا لفترة وجيزة إلى الأراضي السورية، في محاولة متضافرة للتأكيد على نقطة واحدة: تلقي الولايات المتحدة دعمها الكامل وراء حليفتها في الناتو في قتالها ضد الحكومة السورية وحزبها”.
بالإضافة إلى هذا العرض العلني للدعم الرسمي لتركيا ووكلائها الإرهابيين، جددت وسائل الإعلام الغربية بشكل جماعي حربها الدعائية ضد سورية وحلفائها من خلال استخدام منصاتها “الإنسانية” المختلفة بما في ذلك الجبهات مثل “هيومن رايتس ووتش”. وحتى دفع تقارير التحيز من خلال الأمم المتحدة، إلى جانب استخدام تركيا للاجئين كسلاح سياسي من أجل الدعم العام والتبرير القانوني لمزيد من التصعيد ضد سورية.
لكن انقلاب السحر على الساحر أحدث صدمة كبيرة للولايات المتحدة ووكلائها المختلفين بعد أن استعادت الحكومة السورية كل الأراضي السورية تقريباً بمساعدة حلفائها روسيا وإيران. حتى الضربات الجوية الإسرائيلية – مهما كانت ضارة على المستوى المؤقت والتكتيكي – كانت غير مجدية على المستوى الاستراتيجي، لأن القوة البرية في شكل إرهابيين مسلحين ومدعومين من الغرب في جميع أنحاء الأراضي السورية قد تلاشت نهائياً بعد دحرها من معظم الأراضي السورية. وهو الشيء نفسه الذي حصل مع النظام التركي ووكلائه في شمال سورية.