دراساتصحيفة البعث

أزمة كورونا.. تداعيات ضربت سوق النفط العالمية

د. معن منيف سليمان

شكّلت أزمة كورونا تداعيات ضربت سوق النفط العالمية، وأثرت سلباً على الاقتصاد العالمي، فقد فرضت قيوداً على السفر والتنقل، فأغلقت المصانع والمكاتب والمحال التجارية أبوابها، وانخفض الاستهلاك وتراجع الطلب على الطاقة، خاصّة في الدول الأكثر استيراداً للنفط، ما دفع أسعار النفط العالمية إلى أقل مستوياتها رغم خفض الدول المنتجة لإنتاجها منذ أكثر من عام، الأمر الذي يهدّد بصدمات اقتصادية للدول النفطية قد تفتح الباب على مصراعيه أمام كارثة شاملة على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وعلى سوق الطاقة بشكل خاص، لن تتمكن معظم شركات النفط والدول المنتجة له من تجاوزها بسهولة.

إن فرض قيود على قطاعات نقل الركاب، سيكون له تأثير بالغ في استهلاك الوقود وخاصّة الطائرات، مع تعليق خطوط الطيران العالمية لرحلاتها، كما أن فرض قيود على السفر داخل الدول نفسها يعني تقليل الرحلات في قطاعات نقل الركاب إذ يستهلك الطيران العالمي اليوم نحو 9 بالمئة من النفط، والسيارات الخاصّة نحو 27 بالمئة.

ومع تمديد الإجازة الرسمية للسنة الصينية الجديدة في معظم أنحاء الصين، وفرض قيود على السفر والتنقل، أغلقت المصانع والمكاتب والمحال التجارية أبوابها. وهذا يعني أن أكبر مستورد للنفط الخام، الذي يستهلك عادة 14 مليون برميل يومياً، ليس بحاجة لكثير من النفط لتشغيل المصانع، وتسيير وسائط النقل، والحفاظ على دوام الإنارة.

وكانت الإدارة العامّة للجمارك الصينية قد ذكرت أن واردات الصين من النفط خلال العام 2019، بلغت نحو 11 مليون برميل يومياً لتصبح أكبر مستورد للنفط في العالم وبفارق كبير عن المركز الثاني، في حين أن السعودية وروسيا هما أكبر مصدرين للنفط إلى الصين. ومع عدم القدرة على احتواء فيروس كورونا الجديد حتى الآن، تقول مصادر صينية مطلعة: إن الطلب على النفط في البلاد تراجع بمقدار ثلاثة ملايين برميل يومياً أي بما يعادل 20 بالمئة من إجمالي الاستهلاك تقريباً.

وفي هذا الصدد أفاد موقع “بلومبيرغ” أن الاستهلاك اليومي للصين من النفط الخام انخفض بنسبة 20 بالمئة، وهذه نسبة تعادل استهلاك كل من بريطانيا وإيطاليا من النفط مجتمعتين.

إن الانخفاض الحاد على طلب النفط شكل من أشكال تقليص النشاط التجاري في الصين، وعلامة من علامات تباطؤ النمو الاقتصادي في البلاد، الذي بلغ مستوى لم يصله منذ ثلاثة عقود.

وفي هذا السياق قال الاقتصادي الصيني “تشانغ مينغ”، الذي يعمل في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية: إن انتشار الفيروس قد يؤدي بالنمو الاقتصادي إلى أقل من 5 بالمئة، في الربع الأول من العام. فالصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهي محرك رئيس للنمو الاقتصادي العالمي، في الوقت الذي تكافح فيه الدول النامية لإنعاش نموها، سيتردّد صدى أي تأثير سلبي في الصين في أنحاء العالم.

ونتيجة لذلك خفضت أكبر مصفاة للنفط في آسيا، “سينوبيك”، التي تملكها الحكومة الصينية، كميات النفط الخام التي تصفيها بنحو 600 ألف برميل يومياً، وهذا يساوي نسبة 12 بالمئة، وهو أكبر تخفيض لها في أكثر من عشر سنوات.

وقد صدم معدل التخفيض صناعة الطاقة، بحسب ما يقوله محلّل النفط “فيل فلين”، من شركة في شيكاغو: “لم نر من قبل تدهوراً مستمراً للطلب بمثل هذا المعدل”.

وإلى هذا الوقت يجهل الخبراء التأثير الكامل لانتشار الفيروس على الطلب العالمي على الطاقة، وخاصّة إذا انتقل التباطؤ الاقتصادي من الصين إلى باقي دول العالم، حيث تشير تقديرات العديد من الجهات من شركة الطاقة البريطانية “بريتش بتروليوم” (بي.بي) إلى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى تراجع الطلب العالمي بما بين 200 – 600 ألف برميل يومياً.

وفي حال حدوث انخفاض في الطلب في هذه القطاعات، فذلك يعني أن نحو 18بالمئة من النفط المستهلك اليوم سيتوقف، أي ما يدنو من الخمس، ومع التوقع الأكيد أن يحدث انخفاض في هذه القطاعات بمقدار الثلث فقط، فإن خسائر النفط ستصل إلى ما بين 12- 18 بالمئة تقريباً حسب خبراء.

وفي الواقع، عندما يتعلق الأمر بتخفيض الطلب العالمي بنسبة 12 بالمئة على الأقل، فإن هذا يساوي تقريباً حصة النفط الروسي في الإنتاج العالمي. وهكذا، فالأمر بسيط: إذا كانت السوق ستخسر خمس الطلب تقريباً، في جميع الأحوال، يتساءل خبراء عن جدوى التمسك باتفاق أوبك؟.

ويرى خبراء أن حدوث سيناريو انخفاض الطلب مع انخفاض الإنتاج، يعني تراجع إيرادات الدول النفطية الكبرى، وبالتالي ارتفاع العجز في ميزانيتها، وهو ما يعني تراجع الخدمات العامة التي توفرها حكومات هذه الدول لمواطنيها. فإذا استمر هذا الوضع لمدة طويلة نسبياً، فقد تشهد هذه الدول تداعيات سياسية واجتماعية للأزمة.

ومن ناحية أخرى، وبحسب البيانات الرسمية المعلنة انخفضت أسعار النفط والمشتقات النفطية في الأسواق العالمية في الأسبوع الثالث من شهر آذار الفائت مقارنة مع معدل أسعارها للأسبوع الثاني من الشهر نفسه.

ووفقاً للبيانات، سجل البنزين أوكتان انخفاضاً بلغ 31.9 بالمئة، كما انخفض الديزل بنسبة 16.8 بالمئة، وانخفض الكاز بنسبة 26.9 بالمئة. أما سعر زيت الوقود، فقد انخفض في الأسبوع الثالث بنسبة 6.5 بالمئة.

من جانب آخر، استمر معدل سعر الغاز البترولي المسال لشهر آذار عند 467.5 دولاراً للطن مقارنة مع سعره المسجل في شهر شباط الماضي الذي بلغ 535 دولاراً.

وكان سعر خام برنت انخفض إلى 25.6 دولاراً للبرميل في الأسبوع الثالث مقارنة مع 33.7 دولاراً في الأسبوع الثاني من شهر آذار.

وحذرت “إيلين فالد” خبيرة أسواق الطاقة الأمريكية في تقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” للأنباء من تداعيات انتشار فيروس كورونا على الدول المنتجة للنفط بسبب المخاوف من تراجع الطلب على الطاقة، خاصة في الصين الأشد تضرراً من الفيروس والأكثر استيراداً للنفط على مستوى العالم. وقالت:” إن المخاوف من التداعيات الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا، دفع أسعار النفط العالمية إلى أقل مستوياتها منذ أكثر من عام، رغم خفض الدول المنتجة لإنتاجها منذ أكثر من عام، وهو ما يهدّد بصدمات اقتصادية للدول النفطية، تفتح الباب أمام اضطرابات سياسية وإقليمية في هذه الدول”.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، وهي أكبر دولة منتجة للنفط في العالم حالياً، فترى “إيلين فالد”، أن أمريكا ستعاني من تداعيات كورونا أيضاً، ولكن بشكل مختلف. فعلى عكس دول “أوبك بلس”، وصل إنتاج شركات النفط في الولايات المتحدة وخاصة من الزيت الصخري إلى أعلى مستوياته تقريباً. فإذا تراجعت الأسعار، ومع ارتفاع تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة وخاصة الزيت الصخري أيضاً، واستمر التراجع لمدة طويلة فإن فقاعة قطاع النفط الأمريكي ستنفجر لتنطلق موجة إفلاس بين الشركات الأمريكية وعمليات تسريح للعمال.

ويرى خبراء أنه يمكن أن يتمثل السيناريو الكارثي لصناعة النفط في تراجع أسعاره إلى ما بين 30 -35 دولاراً للبرميل من خام برنت القياسي واستمرار هذه الأسعار المنخفضة لعدة أشهر. وسيمثل هذا الموقف مشكلة وتهديداً بالنسبة للدول المنتجة للنفط التي ستكون أكثر حدّة من تلك التي واجهها منتجو النفط عندما انخفضت الأسعار إلى 40 دولاراً أو 35 دولاراً للبرميل عامي 2015 – 2016، ففي تلك المرحلة كانت أسعار النفط قد تراجعت نتيجة زيادة إنتاج الدول النفطية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

ويرى محلّلون أنه من المرجّح أن تظل الأسعار تتعرّض لضغط لحين تحسن الوضع فيما يتصل بالفيروس، وإذا استمر المسار المتوقع لتوازنات السوق، فلن تكون أكبر الدول المصدر للنفط بمنأى عن تداعيات السعر. وقالت “مارغريت يانغ”، من أسواق “سي إم سي”: إن السوق يتوقع تخفيض الإنتاج بـ500 ألف برميل يومياً، وأضافت: “لا نستطيع استبعاد تخفيض أكبر إن ساء الوضع أكثر”.

وتفيد تقارير إن أكبر منتجي النفط في العالم يناقشون اقتراحاً بتخفيضات أكبر، لم تحدث منذ عام 2016، لإنعاش الأسعار المنخفضة في إطار مواجهة الآثار السلبية لانتشار فيروس كورونا. ومنذ عام 2018، اتفقت دول أوبك والدول الحليفة في تجمع “أوبك بلس” على خفض الإنتاج بمقدار 2ر1 مليون برميل يومياً في البداية ثم زيادة حجم الخفض إلى 1ر2 مليون برميل يومياً بهدف السيطرة على الأسعار، في حين تفكر هذه الدول في خفض جديد للإنتاج لمواجهة التراجع الحاد في الطلب.

ومع تعثّر محاولات احتواء الفيروس عالمياً، وتشديد إجراءات الحجر الصحي سواء في الصين أو في دول العالم الأخرى، وفي ظلّ حالة الغموض التي تحيط بالأزمة حتى هذا الوقت، يتعيّن توقع السيناريو الأسوأ بالنسبة لتداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وعلى سوق النفط العالمية بشكل خاص.