عبير عقل: أزمة كورونا زادت التحديات أمام دور النشر
تواجه دور النشر السورية كغيرها من القطاعات المختلفة مجموعة تحديات فرضتها أزمة كورونا التي أوقفت العالم عن الدوران، وتراجع الكتاب المطبوع بسببها مرة جديدة إلى الصفوف الخلفية في ظل أولويات الحياة، فكيف واجهت دور النشر تحديات النشر الجديدة وصناعة الكتاب في ظل كورونا! ولمعرفة المزيد من هذه التحديات كان هذا الحوار مع القائمين على دار عقل للنشر، وهي إحدى الدور الفاعلة في المشهد الثقافي السوري.
تحديات النشر
وأوضحت مديرة الدار عبير سليم عقل أن تحقيق الغايات المرجوّة من صناعة الكتاب والنهوض به ليس بالأمر السهل، ويتطلب وقتاً ونفساً طويلاً وقدرة على الصمود في هذا المجال، إذ يعاني النشر بشكل عام ودور النشر الخاصة بشكلٍ خاص – حتى قبل كورونا – من تحديات جمّة بعضها يعود إلى طبيعة المجال وبعضها يعود إلى عوامل خارجية، فمنها ما يكون مع المؤلف أو صاحب النص من حيث محتوى الكتاب أو منطق البيع والشراء، وبعضها مع القارئ من حيث إقناعه بمحتوى الكتاب وملاءمة قيمته المادية عدا عن أن توعية الناس بأهمية القراءة ليس بالأمر السهل، بالإضافة إلى تعدد أساليب النشر وطرقه والمنافسة بينها وعدم تعاون جهات النشر وارتفاع أسعار الطباعة وثمن الورق وتكاليف المشاركة في الفعاليات الثقافية التي تؤمّن جمهوراً وانتشاراً ومبيعات كمعارض الكتاب الدولية، ولا ننسى الرقابة على النشر والروتين المتعلق بكيفية الحصول على الموافقات، كما أن العقلية السائدة في المجتمع تتجه بشكل تلقائي لحاجتها للغذاء واللباس وما شابه، في حين أنها لا تتجه بنفس التلقائية لأهمية القراءة وشراء الكتب، وتبين عبير أن أزمة كورونا زادت التحديات أمام قطاع النشر بشكل عام بسبب ما رافقها من إجراءات تسببت بشلل اقتصادي، فقد أُلغيت فعاليات مهمة كان من المزمع عقدها في النصف الأول من هذا العام وكان الناشرون قد تحضروا لها مادياً ومعنوياً، ومنها معارض كتب عربية ودولية مثل معرض أبو ظبي والبحرين وبغداد وأربيل وتونس وطهران ولندن وبولونيا وباريس وغيرها، ومن المعروف طبعاً أن معارض الكتب تشكل الفعاليات الأهم في تسويق الكتاب، حيث تعتبر فرصة ثقافية وتجارية في الوقت ذاته، لافتة إلى أنه في سورية تم إلغاء الكثير من نشاطاتنا التي كنا قد حضرنا لها كمعارض في الجامعات والمراكز الثقافية وندوات وحفلات توقيع الكتب، وكل ذلك طبعاً يؤثر بشكل سلبي على تسويق العناوين، كما أدى إغلاق المكتبات شأنها في ذلك شأن الكثير من المحال التجارية إلى انخفاض شديد في مبيعات الكتب.
تأثر المحتوى
وفيما يخص تأثر المحتوى المعرفي العربي بأزمة كورونا لفتت عبير: كنا قد بدأنا نشارك في هذا التأثر والذي سيكون له امتداد معين في المستقبل حسب امتداد زمن التأثر بهذا الفيروس إذ صدرت عدة أبحاث في مراكز بحثية عربية تناقش تأثير أزمة كورونا على علوم عديدة كالاقتصاد والاجتماع والسياسة والعلاقات الدولية، بالإضافة لصدور عدة كتب تبحث في أمر الفيروس من الناحية الطبية والنفسية، كما وصلنا العديد من القصائد التي تم نظمها بهذا الشأن من قبل شعراء تركز على ما تسبب به الحجر وعدم السفر من فراق ومشاعر شوق وحنين بين العائلات والأشخاص، ونتوقع صدور العديد من القصص والروايات إما للتركيز على حالات اجتماعية معينة وتطوراتها بسبب هذه الأزمة أو أن يكون الحجر المنزلي أو معاناة الإصابة نفسها المحفّز لتلك الكتابات.
أما كيف تعاملت دار عقل مع كورونا أكدت عبير: لقد حاولنا التّغلب قدر المستطاع على الظروف المرافقة لأزمة كورونا فمن حيث مراحل العمل اليومي قمنا بتقسيم المهمات على أن يستطيع من ليس له علاقة مباشرة بالعملاء العمل من بيته والتواصل معه، كما أصبح نظام الإشراف على المكتبة لمدة معينة هو نظام مناوبات حتى لا يكون هناك تجمعات مع المحافظة على النظافة العامة والشخصية كالعادة، ولم نتوقف عن تجهيز مخطوطاتنا وإعدادها للطباعة، ومع السماح للقطاع الإنتاجي بالاستمرار بالعمل في سورية، وحيث يشمل هذا القطاع المطابع فقد أصدرنا خلال هذه الفترة وحتى تاريخ هذا المقال عشرة عناوين لأننا نحضر نفسنا لمرحلة ما بعد الأزمة، فلدينا قناعة أن القادم يحتاج إلى تحدّ ومواجهة حتى نصمد في هذا المجال الذي يضعنا أمام الإنسانية جمعاء في مسؤولية مباشرة عن العمل الثقافي وصناعة الكتاب التي تشكل أساساً متيناً في تطور الأمم.
المرحلة القادمة
وفيما يتعلق بالمرحلة القادمة توقعت عبير أن يدوم تأثير أزمة كورونا على قطاع النشر شأنه في ذلك شأن كثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى، لكن الخوف على قطاع النشر أكبر لأن الوعي بالحاجة الدائمة للغذاء واللباس مثلاً أعلى بشكل عام من الوعي بحاجة المجتمع إلى الكتاب للأسف، وقد لاحظنا ذلك في مجتمعنا خاصة عندما بدأ تطبيق الإجراءات الاحترازية لمواجهة الفيروس، فالتأثير السلبي الذي من الممكن أن تخلفه هذه الأزمة على الاقتصاد قد يكون سبباً في خروجِ دور نشر من المهنة أو توقفها عن الإنتاج لفترة معينة قد لا تكون قصيرة، وقد وجه اتحاد الناشرين العرب رسالة مفتوحة ناشد فيها الحكومات العربية بأن تضمن قطاع النشر ضمن الدعم المتوقع أن يتم رصده في كثير من الدول لإنقاذ اقتصادها، كما أصدرت الاتحادات الدولية كممثل عن الصناعة العالمية للكتاب تزامناً مع اليوم العالمي للكتاب في 23 نيسان 2020 بياناً تحث فيه الحكومات حول العالم على دعم قطاعات النشر والاعتراف بأهمية الكتاب.
لوردا فوزي