ساحر من دون سحر …!
يبدو أن أحداث هذه السنة تطال حياة الناس بكل المجالات، فمن الهزات الأرضية والزلازل وفيروس كورونا، وغيرها الكثير من الأحداث، كما أراد هذا العام ترك بصمته على الأعمال الرمضانية التي يتحضر لها الجميع من فنانين وعاملين في الوسط إلى المشاهدين الذين يكونون في موضع المنتقدين، وعلى ما يبدو هذه السنة لم تُجلس الناس في بيوتهم فحسب، بل وحدت أغلبية آرائهم على مدى كمية السخافة والسذاجة التي يتعامل بها صناع الدراما.
مسلسل “الساحر” الذي خلا من أي سحر إلا من بعض البهرجة التي فرضت نفسها كواقع الحال في تلك الأنواع من الدراما العربية، مسلسل أراد منتجوه في حال لم ينجح أن يعلّقوا فشلهم على شماعة كورونا التي بدأت تستخدم كمطية في كل أنواع الأخطاء.
في الدقائق الأولى للمسلسل يظهر “منجم” شهير في لقاء تلفزيوني على إحدى المحطات، فما كان من “البصار” إلا أن قلب المعادلة، فبدل أن يسرد الأحداث التي من المفترض أن تقع ويتنبأ بها، يبدأ هو باعترافات عن كذبه ودجله اللذين ساعداه في الوصول إلى شهرته، ويتدخل القائمون على العمل، ويقومون بقطع البث، لكن المنجم يريد أن يكمل اعترافاته فيلجأ إلى منصات التواصل الاجتماعي ليكمل الحقيقة قبل أن يتعرّض للاعتقال، ونعود بالزمن خمس سنوات لنتعرف كيف وصل هذا الشاب إلى قمة المجد عن طريق الحيلة، بداية لربما تعتبر جريئة لأنها كشفت النهاية قبل أن تبدأ الرحلة، فكانت المراهنة على تفاصيل القصة الفريدة من نوعها بحضور أبطال من الصف الأول، والتي حصدت نسبة مشاهدة عالية في بداية الموسم الرمضاني.
يعيش مينا “عابد فهد” الشاب السوري حياة بسيطة في حي شعبي، يعمل في بيع “السي دي” والألبومات الموسيقية نهاراً، ويتحول إلى “دي جي” في أحد النوادي الليلية مساء، تسكن معه بصارة وابنتها، ونرى مينا بعيداً عن هذه الأعمال التي لا يؤمن بها كثيراً، إلا أن الحياة لها رأي آخر، فسيصبح المنجم المعروف وعالم الفلك الذي يطلب الناس رؤيته، وسيرافقه الحظ في طريقه بشكل لا يقبله المنطق، سيدرس علم الفلك والأبراج، ويتحدث بلغة لم يألفها يوماً، عن طريق عدد من الصدف يلتقي كارمن “ستيفاني صليبا” السيدة الثرية التي تكاد تجن من حدسها وثقتها الأكيدة من خيانة زوجها، ولكنها لا تملك الدليل، فتطلب من السائق جبيرو “محمد حداقي” أن يأخذها لرؤية البصارة لربما تعطيها شيئاً من الثقة على حدسها، لم تكن هذه التصرفات مدروسة، فالكاتبة لم تعط أي مبرر عن تركيبة الشخصية واستعدادها لتقبّل هذا النوع من الأفعال، خاصة أنها تنتمي إلى طبقة وحالة اجتماعية لن تجعلها تذهب إلى هؤلاء، بل تأتي من تلقاء نفسها، تلعب الصدفة عملها فيلتقي مينا السيدة الجذابة، ويسحر بها من النظرة الأولى، فيتقمص دور البصار ويوهمها أنه يقرأ الكف لإطالة الحديث معها وكسب الوقت أكثر.
علاقة الحب بينهما لم تكن واضحة في كثير من المشاهد، فهو تعلّق بها من اللحظة الأولى، وكارمن، كما المشاهدين، لم تجد تبريراً مقنعاً ليحتل جزءاً من تفكيرها في الحياة اليومية، فالحوارات بينهما كانت ركيكة في بعض الأحيان، جمل لم تحمل معاني تترك أثراً في النفس، بالإضافة إلى عدم وضوح خطتها من أجل مواجهة زوجها وألاعيبه من خلال دعم مينا، وإعطائه المعلومات ليدخل بها عالم المجتمع المخملي.
لم تسعف حبكة النص سابين “رنين مطر” أخت كارمن، بعد حوارات طويلة فيها من “النق” ما يكفي ليفهم المشاهد أنها تعاني من ماض مع المخدرات، وتريد الابتعاد عنه، فبدت وكأنها دخيلة على المسلسل إلى وقت إيجاد حدث حقيقي لها وهي في موتها، واتخاذ أختها عدداً من الخطوات تجاه زوجها من دون معرفة القاتلين، وماهي دوافع هذه الحركة لتترك مفتوحة للجزء الثاني من المسلسل الذي علّق تصويره بسبب كورونا.
لم يمتلك العمل فسحة الوقت من أجل إعطاء روح للحبكة التي لربما من البداية تفتقر إلى هذا العنصر، فكان القائمون أمام خيارين: إما تأجيل العمل، أو اختصار الحلقات، فكان الذهاب للحل الآخر الذي أدى ضغط مشاهده إلى عدم فهم تفاصيل كثيرة ربما كانت سبباً من أسباب فشله، فجاء العمل من دون بنية درامية عامة أفقدت التوازن بين الشخصيات.
علا أحمد