فاشية و رأسمالية وجائحة ودونالد ترامب..
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “سالون” 10/5/2020
إن الشيء الوحيد الذي يوحد الفاشيين المؤمنين بشعار “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” في الحركة المناهضة للحظر والمعارضين لذلك الشعار هو اقتناعهم بأن الولايات المتحدة بلد مميز، وأن لا شيء يحدث هنا له علاقة بأي شيء يحدث في أي مكان آخر. حسناً، لربما نسمع مقارنات مع ألمانيا في الثلاثينيات، في كلا البلدين، لكن حتى هذا نوع من التصريح بالتميز، كما لو أن الفاشية لم تشهد صحوة في جميع أنحاء العالم.
عادة ما يكون هذا الجهل بالتاريخ والسياق، والاعتقاد اللاهوتي بعظمة أي جانب من جوانب الخاصية الأمريكية أمراً خاطئاً تماماً، لكن يروج له في الوقت الحالي، والحال غالباً هكذا، لكن اليوم، في الإطار الزمني بعيد الاحتمال، حيث نجد أنفسنا، يجب علينا أن نقر أن الوضع الذي تمر به أمريكا مميز وفريد.
يقولون أمتنا تقود العالم، أجل، إلى الحضيض، ليس دونالد ترامب وحده المسؤول عن ذلك، بل إنه ليس بهذه الأهمية من الناحية التاريخية، لكن هل وجد الآن يا ترى لحظة مجد واستغلها أقصى استغلال!.
بعد أكثر من ثلاثة أعوام من الإجرام والفساد واللا أهلية، تعثّر مهرّجُنا العبقري بأزمة كبيرة ستُعرّف الأجيال القادمة على رئاسته، (بافتراض أنه سيحظى بفترة جديدة)، أياً كان أمر أوكرانيا أو محاكمة عزله، التي جرت هذا العام ونُسيت الآن تماماً، مع أنها كانت مهزلة لا تصدق، وغادر روبرت مولر مبنى كابيتول هيل يجر ذيول الخيبة، وأدلى بجمل غير مفهومة ربما كانت تدل على مخاوف دستورية خطيرة.
وفوق كل ذلك، جاءت جائحة كورونا لتضرب العالم الغربي في لحظة ضعف، ولم تحسن حكوماته التعامل مع الأمر، فمرت بصدمات كبيرة، ثم أتى الفيروس إلى الولايات المتحدة ليزيد الوضع السيئ سوءاً.
كان عرض إدارة ترامب المبهرج للثقة المفرطة والأكاذيب والرسائل المختلطة والتملص من المسؤولية وألعاب اللوم الوقحة وانتكاسات السياسة غير المترابطة ونظريات المؤامرة والهراء المنافي للعلم، كله كان عجيباً، ومن الآن وحتى نهاية العالم لن يُنظر إلى الولايات المتحدة كقوة رائدة في العلم أو الطب أو الصحة العامة.
ويمكننا الآن أن نقول بكل ثقة بأن ما لا يقل عن 100.000 أمريكي سيموتون بفعل هذه الجائحة، وحقيقة أن المشككين الترامبيين بهذا الفيروس يقنعون بعضهم بأن هذه الأرقام مزيفة، وأن اليساريين لديهم مصلحة في رفع هذه الأرقام، لا تفاجئنا أبداً في هذه المرحلة وبعيدة كل البعد عن أي شيء تخيلناه في تلك أيام البراءة.
كم من الأرواح كان من الممكن إنقاذها باستجابة متماسكة وعقلانية من الحكومة الفيدرالية؟ على الأرجح أننا لن نعرف أبداً، ولكن مهما كان الرقم، فهو كبير جداً.
وهل ستنجح إدارة ترامب في تأطير هذه الوفيات بإطار التضحيات المؤسفة لكن الضرورية للاقتصاد أو طريقة الحياة الأمريكية، والتي تُفهم على أنها مجرد أفكار مجردة غير إنسانية لا تختلف عن آلهة الحضارات الغابرة؟ لا نعرف ذلك أيضاً.
سنظل دوماً الدولة التي انتخبت محتالاً لا مصلحة له فعلياً في أن يكون رئيساً بحق، وأجندته السياسية الوحيدة هي الانتقام من الليبراليين الذين سخروا منه من خلال تشجيع رد الفعل العنصري العنيف، ما صب الزيت على نار الحروب الثقافية ودمر الحكومة الفيدرالية من أعلاها إلى أدناها.
وانتهى الأمر بنا مع أحمق بغيض عديم الإنسانية في البيت الأبيض يهمل في هذه اللحظة الخطيرة الغاية على المدى الواسع، وصلنا إلى هنا لأن دونالد ترامب يمثل التقاء تيارات سامة كثيرة، ويمكننا تلخيص ذلك بعبارات: نظام الحزبين السياسي مشلول، وثقافتنا المدنية منقسمة ومعطوبة، وصل التباعد الاقتصادي إلى أبعاد ملحمية، ويمر النظام الاقتصادي العالمي المدعوم بالفلسفة المعروفة باسم “النيوليبرالية” بأزمة عميقة ومتفاقمة.
وإحدى نتائج كل ذلك هي عودة الفاشية العالمية، وأدى ذلك في السياق الأمريكي إلى تزايد عدد جرائم الكراهية العنيفة إلى جانب مجموعة كاملة من التمثيليات المسرحية، كاستئجار مسلحين ليروعوا الآخرين في احتجاجات لانسينغ وميشيغان وغيرهما من المدن.
عندما يتعلق الأمر بالتجارة الحرة وسياسات التقشف المالي المحددة بالرأسمالية النيوليبرالية، تختلف المعادلة: فترامب لا يفهم هذه الأشياء ويكرهها بشكل غريزي، والتي قد تكون الخاصية الوحيدة التي تفتدي رئاسته.
لا يزال كل شخص في السياسة الأمريكية محاصراً بالأسطورة السامة المسماة بالاستثنائية الأمريكية، أي الإطار السردي الذي يصر على أننا أمة مميزة، و ياليتنا نعرف هذه الغاية التي يتشدقون بها، إن هذا اعتقاد مجنون شوّه تاريخنا بأكمله، وجلب لنا دونالد ترامب والمأساة الوطنية وهذه الجائحة، ولا يمكننا أن نتوقع أنهم سيختفون من تلقاء أنفسهم، ولن نتجاوزهم أبداً ما لم نحرر أنفسنا من الوهم الجماعي بعظمتنا الوطنية، والوقت ينفذ.