سوسن أبو عفار: أرفض التمثيل بشكل آلي وأعتمد على الإحساس
التمثيل بالنسبة لها شغف، ولا يمكن أن يصبح مهنة، لأنها تمارس التمثيل لتستمتع ولتعيش أحاسيس مختلفة، من هنا لا يمكن لحضورها أن يمر مرور الكرام في أي عمل تشارك فيه حتى لو كان بدور صغير، وقد برعت في تقديم شخصيات من لحم ودم مازالت في ذاكرة الكثيرين منا، وها هي اليوم تتألق بأدوارها في مسلسلات: “سوق الحرير، أولاد آدم، ببساطة” وتؤكد الفنانة سوسن أبو عفار، وهي التي كانت تكتفي بعمل واحد في السنة، أنها على غير عادتها تشارك في الموسم الرمضاني الحالي بثلاثة أعمال دون أن تخفي أن ذلك كان أمراً شاقاً وصعباً.
أم فتحي
تتميز الفنانة أبو عفار بأدائها العفوي والتلقائي لقدرتها الكبيرة على تجسيد الشخصية الموكلة إليها، ومن لا يعرفها يعتقد أنها تلك الشخصية التي تلعبها، مؤكدة أن العفوية في الأداء لا تأتي من فراغ، إنما هي نتيجة لجهد الممثل في إشباع شخصيته بالدراسة والبحث والتدقيق بكل تفاصيلها النفسية والجسدية، ومن ثم الوصول لمرحلة الوقوف أمام الكاميرا، مع تأكيدها على أنها تعتمد في أداء شخصياتها على الإحساس الطازج، وليس على التكنيك، لأنه يفقد الروح والعفوية، لذلك تتوقف عن التصوير عندما تشعر أن الإحساس في أداء الشخصية قد غاب عنها، رافضة التمثيل بشكل آلي، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنها تسعى دوماً كي لا تتورط بفعل سبق أن كررته في إحدى الشخصيات، متمنية أن ينال حضورها في الموسم الرمضاني الحالي الرضى، خاصة أنها تخوض في مسلسل “سوق الحرير” شخصية الداية أم فتحي، وقد أعجبت بها، رغم أن هذه الشخصية سبق أن تكرر وجودها في أعمال أخرى، إلا أن المخرج مؤمن الملا اتفق معها منذ البداية على تقديمها بعيداً عن النمط الذي كرّسته بعض الأعمال، لذلك أتت كما يشاهدها الجمهور اليوم بتلك الهوية التي منحتها إياها أبو عفار التي تشير إلى أن هذه الشخصية كانت مكتوبة بشكل جيد في النص الذي كتبته حنان حسين المهرجي، إلا أنها تؤمن دوماً بأن الممثل يجب أن يترجم الشخصية من الورق إلى الشاشة بأفضل شكل ومضمون، منوّهة إلى أن “سوق الحرير” عمل مختلف، وهو لا ينتمي لأعمال البيئة الشامية لأنه يتناول فترة زمنية موثقة في تاريخ دمشق، وهي الفترة التي نطلق عليها اليوم “الزمن الجميل”، والتي كانت فترة انفتاح عاشته سورية والبلاد العربية، حيث كانت المرأة تدرس وتعمل، والصناعات تتطور، والعقول تعمل، وعبّرت أبو عفار عن سعادتها بأول تعاون لها مع المخرج مؤمن الملا الذي يتميز بهدوئه، وقدرته على ضبط النفس، وتيقظه الدائم، وعدم استسهاله.
رادار شديد الحساسية
وعن مشاركتها في مسلسل “أولاد آدم”، تأليف وسيناريو وحوار رامي كوسا، إخراج الليث حجو، تبيّن سوسن أبو عفار أنها سعيدة بتجربتها الثانية مع حجو، وهي التي سبق أن وقفت أمام كاميرته العام الماضي في مسلسل “مسافة أمان”، لتجسد في “أولاد آدم” شخصية مدرّسة موسيقا مصابة بسرطان الدماغ، حيث يكشف العمل العلاقة الإنسانية التي تربطها بشاب قامت بتربيته، ولم تجد أبو عفار أية صعوبة في تجسيد هذه الشخصية، خاصة أنها عاشت تجربة هذا المرض بتفاصيله ثلاث سنوات مع والدتها، واصفة المخرج حجو بأنه مخرج استثنائي، دون أن تخفي أنها تشعر بعدم الثقة بنفسها عندما تعمل تحت إدارته، لأنها تشعر أن تفكيره بعيد جداً، وتخشى ألا ترتقي إليه، لذلك يتملكها دائماً إحساس بأنها تحتاج كثيراً لتصل إليه، وهذا ما يجعلها تجتهد كثيراً لتنجح في إيصال ما يريده، لأنه مخرج عميق ولماح، وهو بالنسبة لها رادار شديد الحساسية يلتقط أي تفصيل وإحساس خطأ، لذلك تشعر بمسؤولية كبيرة أمامه.
مطب خطير
ولأن سوسن أبو عفار تميل إلى الكوميديا، وتؤمن أن المشاهد اليوم بحاجة إليها، وأن رسائلها تؤثر أكثر في المشاهد لأنها تخاطب قلبه وعقله وروحه، كانت سعيدة بمشاركتها في مسلسل “ببساطة” وهو عبارة عن مجموعة لوحات كوميدية أتاحت لها تقديم مجموعة من الشخصيات، مشيرة إلى أنها اشتغلت في هذا العمل بكل طاقتها لقناعتها بأن العمل في الكوميديا شديد الصعوبة، وهي تؤمن بأن الممثل الكوميدي أكثر موهبة من أي ممثل، منوّهة إلى أن ممثل الكوميديا يجب أن يتمتع بسرعة البديهة، وروح السخرية، وأن يكون النقاء والصفاء جزءاً من شخصيته،ولا تخفي أبو عفار أنها ضد الممثلين الذين يرتجلون في الدراما التلفزيونية والسينما، لأنها مطب خطير إذا خرج الممثل بارتجاله عن سكة الشخصية، موضحة أن الارتجال بشكل عام ضرورة لمداراة خطأ ما، وبالتالي هو غير مبرر في التلفزيون لأن الممثل أمام كاميرا التلفزيون يستطيع أن يعيد في حال حدوث أي خطأ، لذلك هي لا تداري خطأها في التلفزيون بالارتجال، وتفضّل أن تعيد التصوير في حال حدوثه حتى لو ارتجلت بشكل صحيح لتبقى ضمن فلك الشخصية، أما في المسرح فتراه مبرراً لأن الممثل يكون على خشبة المسرح وأمام الجمهور بشكل مباشر ولا يمكنه الإعادة.
علم آخر
على الرغم من تخرّجها في المعهد العالي للفنون المسرحية، إلا أنها تؤكد أن العمل في السينما والتلفزيون علم آخر، وأنها تعلّمت من تجاربها الوقوف أمام كاميرا التلفزيون والسينما لأنهما فنّان مختلفان تماماً عن المسرح، مشيرة إلى أن العمل في التلفزيون ليس أمراً سهلاً، ومن حسن حظها أنها بدأت العمل فيه من خلال المخرج حاتم علي الذي عاد ودعاها للمشاركة في مسلسل “أبواب الغيم”، وهو من أصعب الأعمال التي شاركت فيها، مشيرة إلى أن حاتم علي مخرج صعب، والخطأ عنده ممنوع، والممثل في أعماله يجب أن يكون جاهزاً قلباً وعقلاً وروحاً.
بين غياب وعودة
تخرّجت سوسن أبو عفار من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1990، وعملت بعد تخرّجها بعملين تلفزيونيين هما: “مربط الفرس”، و”مدير بالصدفة”، وشاركت في عدة مسرحيات نذكر منها: مات ثلاث مرات لحاتم علي، سوبر ماركت لأيمن زيدان، الآلية ودون كيشوت لمانويل جيجي، كذا انقلاب لبسام كوسا، تقاسيم على العنبر إخراج جواد الأسدي، إلى جانب غسان مسعود وفايز قزق وقاسم ملحو، ونالت عن دورها جائزة أفضل ممثلة مناصفة مع جليلة بكار في أحد المهرجانات بمصر، وكانت سعادتها كبيرة بها لأنها جاءت مناصفة مع ممثلة مسرحية كبيرة، وبيّنت أبو عفار أنها بعد فترة قصيرة من تخرّجها وعملها انسحبت من الوسط الفني، وغابت فترة طويلة للتفرغ لتربية ابنتها سوناتا، وبعد تخرّجها، وحينما شعرت أن الوقت أصبح مناسباً للعودة، شاركت في مسرحية “محاولة طيران”، وكذلك مسرحية “كذا انقلاب” التي أخرجها بسام كوسا الذي رشّحها لمسلسل “سحابة صيف” بدور امرأة مجنونة، مع إشارتها إلى المتعة الكبيرة التي يحققها المسرح لها، فعلى خشبته تشعر بالثقة بالنفس والمسؤولية الكبيرة، منوّهة إلى أن آخر عمل مسرحي شاركت فيه كان مسرحية “زجاج” عام 2015 مع المخرج أسامة غنم، والتي تصفها بالتجربة الرائعة والعمل الوحيد الذي تفرح به بعد كل مشاهدة له، حيث كانت تقف يومياً على خشبة المسرح لمدة ثلاث ساعات ونصف دون تعب، وأن أقصى ما تتمناه اليوم على صعيد المسرح العمل مع المخرج أيمن زيدان لأنها معجبة بمسرحه الذي ينتمي إلى مسرح السهل الممتنع، ولأنه رجل مسرحي مثقف يقدّم مسرحاً شعبياً بطريقة راقية، وهو المسرح الذي يؤثر بالناس أكثر.
أكثر ممثل موهوب
التقت الفنانة سوسن أبو عفار بزوجها الممثل آندريه سكاف في المعهد العالي للفنون المسرحية، ولم يلتقيا إلا في عدد قليل من الأعمال مثل “حدود شقيقة”، و”قناديل العشاق”، و”ببساطة 2″، مؤكدة أنها تتحاشى أن تقف أمامه كممثلة بسبب حضوره وإمكانياته الكبيرة وخفة دمه، ولأنه أكثر ممثل موهوب بالنسبة لها. وكزوج تؤكد أبو عفار أنه أنبل رجل في العالم، ورغم عملها إلا أنه لا يرضى إلا أن يكون مسؤولاً بشكل كامل عن بيته، رافضاً مساعدتها له في هذا المجال، منوّهة إلى أن الزواج ومسؤولياته عرقلا مسيرته، ولولا ذلك لكان أهم ممثل في سورية، لذلك تحرص على أن تأخذ رأيه في كل الأعمال التي تشارك فيها، رافضاً دوماً قبولها لأي عمل من أجل لقمة العيش حتى لا تكرر تجربته، ولذلك اعتذرت مؤخراً عن عدم المشاركة في أحد الإعلانات رغم الأجر العالي الذي عُرض عليها بناء على نصيحته.
أمينة عباس