ظاهرة التنمر .. تشويه للقيم المجتمعية واعتداء على حرية الفرد
التنمر يحدث من خلال الاعتداد بالنفس الزائد الذي يفوق الغرور، والنرجسية ليتعدى ذلك كله وصولاً إلى كره الآخرين، وخاصة الضعفاء، أو الذين يحترمون القيم الاجتماعية، والأخلاقية، والاعتداء على حقوقهم بكل أنانية، وكأنها حقوق شخصية للمتنمر، وبغض النظر عن الضرر الذي يلحق بالمصلحة العامة وفق ما أكده لنا الأخصائي الاجتماعي ناصر حسن، ولابد من التمييز هنا بين العنف، والتنمر، حيث إن الأخير مبني على العقلانية، واستغلال ضعف الآخرين، وعدم قدرتهم، أو رغبتهم بالرد على سلوك هذا الشخص، أي أن ضحاياه من الضعفاء فقط، وليس من فئات أخرى، وبشكل متكرر نابع من السادية، والتلذذ بالانتصار على الضعيف حتى وإن كان المتنمر من ذوي القوة العادية فليس هذا المهم بل المهم هو عدم الرد من الآخرين على سلوكه السلبي، وبالتالي فإن وجود من يمارس سلوك التنمر من جهة، ووجود من يتقبّله بين أفراد الجماعة الواحدة من جهة أخرى يساعد في انتشار التنمر على مستوى المجتمع بشكل كامل، مع الإشارة هنا إلى أن التنمر ليس سبباً من أسباب التفكك الاجتماعي بل هو نتيجة لهذا التفكك، ولتراجع القيم الأخلاقية التي تربط أبناء هذا المجتمع مع بعضهم، في حين تقل ظاهرة التنمر في حال قوة هذه الروابط، والقيم، وتسود المصلحة الجماعية بدلاً من مصلحة الفرد، كما أن التنمر تكمن خطورته في حال ساد لدى الأشخاص المؤثرين في المجتمع، أو الاقتصاد، أو الوظائف العامة، أو المؤسسات الدينية فهذا يعني أنه سيعم المجتمع كله وصولاً للأب، والأم، والأخ الأكبر، والمؤسسات التعليمية، وحتى على مستوى الأصدقاء بين بعضهم، فإذا كان أي فرد في موقع القوة سيشعر أنه يتوجب عليه استخدام مظاهر القوة لممارسة السيطرة على الآخر، وتوجيهه وفق مصالحه، وإذا لم يكن في موقع القوة سوف يستسلم لاشعورياً للآخر، ويخضع له.
تطبيق القانون
وفي سياق متصل فإن أخطر مظاهر التنمر في المجتمع هو عدم تمكن الآخرين من الشكوى بعد سلب حقوقهم والاعتداء عليها، وذلك سببه الأساسي عدم احترام الجميع للقانون، وعدم تطبيق القانون على الجميع، من خلال عدم احترام المتنمرين لمؤسسات الدولة، أو ظنهم أن القانون عاجز عن محاسبتهم، أو ظناً منهم أنهم يفعلون ما هو صحيح، وأحياناً يتأثر المتنمرون بالأيديولوجية الفاسدة الهدامة، فمثلاً التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تقوم بالتفجيرات، وترويع الأبرياء ظناً منهم أن ذلك من مبادىء الدين، أو أنه يساعد في نشر الدين، أو أن الجميع أعداء للدين، أو قد يتطاول بعض المتنمرين على الأفراد ظناً منهم أن حجمهم يوازي حجم مؤسسات الدولة.
كما أن التنمر يمكن أن يوجد في مؤسسات العمل، حيث إن وجهات نظر العاملين في حال تعارضها مع وجهات نظر رئيسهم الإداري قد تشكل خطراً عليهم ولو كانت صحيحة، لمجرد إحساسه أنه قد تؤثر على منصبه ومصالحه، والحل يكمن في معالجة أسباب ظاهرة التنمر بشكل جذري من خلال تطبيق القانون، وضمان احترامه من قبل الجميع، وليس من خلال محاسبة شخص متنمر، أو عدة أشخاص.
فعل متكرر
التنمر مجموعة من الأفعال المتكررة التي تنطوي على خلل قد يكون حقيقياً أو متصوراً في ميزان القوى بالنسبة للطفل ذي القوة الأكبر، وقد يمارس من مجموعة من الأطفال ضد مجموعة أخرى بصور كثيرة وجارحة للطفل كالتحرش اللفظي، والتنابز بالألقاب، والاعتداء البدني، والحرمان من اللعب، وفقاً لما أكدته المرشدة الاجتماعية سعاد حميد ولابد من الإشارة إلى أن التنمر أصبح مدرجاً كجريمة يعاقب عليها القانون في بعض الدول المتطورة، وهذا يعني أن التجربة ستعمم لاحقاً في كل الدول التي قد يجهل الكثير من أفرادها معنى التنمر حتى لو تعرضوا له في حياتهم اليومية، ويمكن حماية الطفل من التنمر عن طريق تعليمه المهارات الاجتماعية للتفاعل الناجح مع العالم، وتمكينه من التعامل مع السيئين، وعلينا أن لا ننسى أن من أهم أسباب هذه الظاهرة أن المتنمرين أنفسهم كانوا ضحية التنمر، فالطفل المتنمر غالباً ما يساء له في المنزل، والمتنمر البالغ قد تعرض للتنمر في مرحلة عمرية سابقة هذا شيء حتمي، وقد يكون سبب التنمر لدى الأطفال أشياء واهية كلفت الانتباه إليهم، أو الغيرة، أو الشعور بالنقص، أو حتى التقليد، كما يقوم بعض الأطفال بالتنمر لأنهم بقوا معزولين لفترة من الزمن، ولديهم رغبة ملحة في الانتماء، خاصة عند فشلهم بتنمية الصداقات والمحافظة عليها.
أشكال متنوعة
يعتبر الاغتيال الوظيفي شكلاً من أشكال التنمر، وأحد الأفعال الضارة بالصحة النفسية، من خلال تهديد المرؤوس، أو تهزيئه، أو تحجيم قدراته، ويعاني الكثير من العاملين والموظفين حول العالم من آثار هذا التنمر وقد تصل نسبتهم إلى 15 بالمئة، وليس بالضرورة أن ينطوي التنمر في العمل على أعمال غير قانونية، ومع ذلك تكون الأضرار التي لحقت بالموظف المستهدف، وبالروح المعنوية لمكان العمل واضحة.
و ضحايا التنمر عرضة لخطر الأمراض المتعلقة بالضغط النفسي، والتي من الممكن في بعض الأحيان أن تؤدي إلى الانتحار، حيث أكدت دراسة بريطانية أن ما بين 15 و25 طفلاً ينتحرون سنوياً في بريطانيا وحدها، لأنهم يتعرّضون للتنمر، كما يمكن أن يعاني ضحايا التنمر من مشاكل عاطفية وسلوكية كالشعور بالوحدة، والاكتئاب، والقلق، كما يمكن أن يسبب التنمر الهجرة عند ممارسته بين الفئات الاجتماعية والطبقات الاجتماعية، وقد أثبتت العديد من الدراسات أنه إذا لم يتم التصدي للتنمر في الطفولة، فإن ذلك يضع الأطفال في خطر السلوك الإجرامي في مرحلة البلوغ، وعلى سبيل المثال توصلت بعض الإحصائيات الأمريكية إلى أن أكثر من ثلثي حالات المهاجمين في حوادث إطلاق النار في المدرسة شعروا بالاضطهاد، أو تم جرحهم من قبل الآخرين قبل الحادث.
ويمكن أن يكون التنمر غير مباشر، ويُعرف أيضاً باسم العدوان الاجتماعي، أو العزل الاجتماعي من خلال نشر الشائعات، أو مقاطعة الضحية، وحتى التنمر على الأشخاص الآخرين الذين يختلطون مع الضحية، ونقد أسلوب الضحية في حياتها اليومية، وغيرها من العلامات الاجتماعية الملحوظة كالعرق، والدين، ويمكن أيضاً للمتنمرين أن ينشئوا مدونات على مواقع التواصل الاجتماعي لترهيب الضحايا على مستوى مجتمعهم أو حتى على مستوى العالم.
بشار محي الدين المحمد