“ورد أسود” والدراما المشتركة السورية – الجزائرية
“ورد أسود” عنوان يوحي بالانتقام والمشاعر السوداوية التي يعيشها أبطال العمل الذي كان مدخلاً للدخول إلى عوالم الدراما الجزائرية ـ السورية المشتركة، والتعرف إلى اللهجة الجزائرية الصعبة وغير المألوفة في العالم العربي – على خلاف اللهجة المصرية التي تغلغلت في حياة الأجيال منذ نشوء الإذاعة والسينما – وإلى التعرف عن قرب إلى نجوم الدراما الجزائريين الرائعين، مثل النجم السينمائي والتلفزيوني والمخرج خالد بن عيسى الذي برع في أداء دوره بحضوره القوي ووسامته الطاغية وخبرته كمخرج متماهياً مع شخصية رشيد البطل صاحب الشركة الضخمة التي تقوم بالخفاء بتهريب الآثار السورية إلى إيطاليا بإدارة العصابة من قبل السيدة صوفي –ديمة قندلفت- وكذلك زهرة حركات البطلة ليلى التي تجسد دوراً عاطفياً مركباً، إذ تتخلى عن رشيد ليلة زفافهما وتتزوج صديقه هادي الذي طلب منها أن تترك الحفل وتذهب معه، الحدث المحوري في العمل الذي هزّ رشيد ومضى به إلى سلوكيات مختلفة من الانتقام النفسي من ليلى وابنتها الصغيرة والتخطيط للإيقاع بهادي واتهامه بجريمة السرقة.
وقد تمكن المخرج سمير حسين مع القائمين على العمل من إيجاد الحل بترجمة الحوارات والمنولوجات لأبطال العمل الجزائريين إلى اللغة العربية، ما ساعد على جذب المشاهد للتعمق بأحداثه المتصاعدة وخطوطه الدرامية المتشابكة والقائمة بين سورية والجزائر، لتشكل المطارات رابطاً ومحركاً للأحداث.
الملفت في العمل أن كاتب السيناريو جورج عربجي تطرق إلى البعد النفسي بالعودة إلى العقد النفسية المتراكمة منذ الطفولة، ثم تحليل أبعادها في سلوكيات الشر التي يمارسها الإنسان على المحيطين به، ما يدفعهم إلى الانتقام مستفيداً من دراسته في علم النفس، فيقحم المشاهدين في عوالم درامية جديدة يكشفها عبْر مشاهد الفلاش باك، لتلتقي مع الانتقام الذي اتخذ البعد النفسي في مواضع مثل حالة التوءَم ورد ورواد (الممثل جابر جوخدار)، وكيفية انتقام رواد الذي يعاني من عقد نفسية نتيجة التربية الخاطئة في الصغر والتمييز بين الإخوة من شقيقه التوءَم ورد بتدمير حياته العاطفية والزوجية في يوم زفافه، والانتقام منه مستغلاً حبيبته بيسان (ترف التقي) التي تسعى للانتقام من أطراف عدة من زوجها ورد الذي صدق مؤامرة رواد وتخلى عنها، من رواد الذي خرب حياتها، من أخيها جاد (وائل شرف) الذي باعها بالمال، من أمها سميرة (صباح الجزائري) التي برعت بإحساسها العاطفي- التي أخفت عنها حقيقة والدها الحقيقي منير (سلوم حداد) الذي ارتبطت معه والدتها سميرة عاطفياً طيلة حياتها رغم زواجها مرتين مرغمة من تدخل أخيها، لتتزوجه أخيراً بعد صراع داخلي وخلاف مع ابنها جاد، ليمثل الخيط الأبيض في حياتها ويتابع رحلة البحث عن بيسان، فيتحول العمل إلى سلسلة من الأحداث المتشابكة بين الحب والانتقام، إضافة إلى خطوط ثانوية أغنت الأحداث وارتبطت معها مثل شخصية زياد (فادي صبيح) الذي يمثل الرجل الانتهازي الطامع بثروة زوجته –ميري كوجك- ويسيء معاملتها بالعنف اللفظي والجسدي.
وتمكن سمير حسين من ربط كل هذه الخطوط الدائرة بين دمشق ومدن الجزائر مركزاً بفنية غير مباشرة على طبيعة الجزائر الجميلة ومعالمها وأبنيتها الضخمة في أماكن ترفل بالثراء والبذخ والرقي، وتخفي وراءها سطوة المال والكثير من الانجرار للخيانات الوطنية والشخصية، تلتقي هذه الأماكن مع الكاميرا المقابلة بدلالات رمزية في حارات دمشق القديمة وعبق الأصالة والعراقة التاريخية، وعصير التوت الشامي الذي تصنعه سميرة الذي يرمز إلى جزء من هوية الشام ويقف بالمرصاد في وجه كل المؤامرات.
ملده شويكاني