الإعلانات الرمضانية.. حضور تمثيلي غير موفق وإخفاق في جذب المشاهد
ردة الفعل ذاتها عند جميع الأسر السورية بكتم الصوت عند بدء الإعلانات التجارية على الشاشة التلفزيونية خلال متابعة المسلسلات الرمضانية التي تعد الرفاهية الوحيدة لقضاء فترة السهرة، والتي – للأسف – باتت ملعباً كاملاً للإعلانات المفرغة من مضمون كان من المفترض أن يكون هادفاً، خاصة ونحن نعيش في عصر تكنولوجي باتت صناعة الإعلان فيه أسهل وأسرع وأقل تكلفة من السابق، ولكن على ما يبدو أن التكنولوجيا وحدها ليست كافية في ظل غياب واضح للفكرة التي لا يبذل فيها أصحاب الشأن أدنى مجهود للخروج بإعلان يُتابع من قبل الجميع بدلاً من كتم الصوت عند ظهوره.
تهريج ممل
يظهر ذلك فيما كتبه أحد أصدقائنا على صفحته الشخصية عند الساعة الخامسة فجراً بأنه لا يستطيع أن ينام لأن كلمات دعاية أحد أنواع الشيبس تضرب على رأسه حتى هذه الساعة المتأخرة بقوله: أرجو منكم أن تزيلوا كلمات “اي تفضل تفضل تفضل” من رأسي لأني لا أستطيع النوم، وهي تغزو وتقرع رأسي!!.
هذا البوست وغيره من البوستات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي والتي تتمحور حول فقدان الإعلانات السورية محتواها، ونزولها إلى مستوى هابط جداً، مع إصرار المؤسسة السورية للإعلان على عرضها كل خمس دقائق، هو ما جعلنا نبحث عن أسباب نفور المشاهدين من الإعلانات السورية، ورفضهم متابعة المسلسلات على المحطات السورية هرباً من تلك الإعلانات التي تلاحقهم إلى فراشهم، في حين قامت مجموعة من الشباب بإجراء مقارنة بين إعلانات سورية مدتها خمس دقائق تحوي مجموعة من الحركات البهلوانية وجملة من التهريج الممل، وإعلان أجنبي قديم بأدوات بسيطة بمدة أقل من دقيقة يحوي عنصر الجذب والتشويق والمتعة، ويدفع المشاهد لشراء المنتج المُعلن عنه، متسائلين عن الكادر الاختصاصي، والأدوات المطلوبة للخروج بمثل هذه الإعلانات، وسبات مؤسسة الإعلان السورية منذ تأسيسها وحتى اليوم، وعدم محاولتها التغيير والخروج عن النمطية التي ارتدتها على مدى عمرها.
موضة العصر
كان من اللافت في الإعلانات الرمضانية لهذا العام الحضور الأساسي لجملة من الممثلين في الإعلان السوري، الأمر الذي جعلهم عرضة للهجوم من قبل صفحات التواصل الاجتماعي، إذ لم يسلم هؤلاء الفنانون من التعليقات المسيئة بحقهم، والأمر الذي يدفع بقامات فنية كعبد المنعم عمايري، وفايز قزق للموافقة على تقديم مثل هذه النوعية من الإعلانات غير المأسوف عليها، في المقابل خرجت أبواق ممثلين مدافعين عن هذين الفنانين وغيرهما من الفنانين الذين دفعتهم قلة الأجر الذي يحصلون عليه من شركات الإنتاج عن أدوارهم في التمثيل، وصعوبة الوضع المعيشي للهبوط إلى هذا الدرك الأسفل، فكانت الفنانة شكران مرتجى من الأوائل المدافعين عنهم بقولها: اتركوا الخلق للخالق، لتفاجئنا منذ أيام بظهورها في أحد الإعلانات التجارية هي أيضاً، والتي على ما يبدو أضحت اليوم موضة العصر، و”شغلة يلي ما لو شغل”، ومصدر رزق لابأس به، وإلا لما انجر أغلب الفنانين للعمل بها.
غياب الفكرة
يُجمع أصحاب الشأن في المؤسسة العربية للإعلان على أسباب رئيسية في عدم القدرة على تطوير الإعلان السوري، يأتي أبرزها العامل المادي القليل وغير الكافي لإنتاج إعلانات ضخمة، لينفي لنا ضياء وردة “مصمم إعلانات” مصداقية هذا الكلام، بدليل أن أغلب الإعلانات الغربية لا تستخدم أدوات صعبة ومكلفة، بل على العكس تقوم فكرة الإعلان على البساطة والسرعة والجذب، ليكون العامل الأهم لإنتاج إعلان لافت لا يُشعر المشاهد بالغثيان عند مشاهدته هو الفكرة التي لا تستهلك عندنا أكثر من نصف ساعة للتفكير بها، ولعل السبب في ذلك هو غياب التخصص في مجال الإعلان، وفي حال وجود متخصصين فإنهم يفضّلون العمل في دول أخرى لعدم توفير هامش حرية لعملهم، ناهيك عن كثرة تدخل منتجي السلع بأفكار المعلن، ففي كثير من الأحيان يرفض منتجو السلع الأفكار التي يطرحها المصمم، أو يقومون بإضفاء لمساتهم التي تغير منحى الإعلان نحو السلبية في كثير من الأحيان، إذ يفضّل أغلب منتجي السلع الموسيقا الصاخبة، وكثرة وجود الفتيات في الإعلان، الأمر الذي لم يعد يتناسب مع أذواق المشاهدين هذه الأيام، كذلك يؤكد ثائر مهنا، “مصمم إعلانات في موقع الكتروني”، أن صناعة الإعلان ليست صناعة بسيطة، بل ضخمة وذات شأن بالغ الأهمية في الدول المتطورة، فمنتجو الإعلانات في الغرب يستغرقون أسابيع لدراسة حالة السوق التي سيطرح بها المنتج، كذلك دراسة سلوك المستهلك ومدى حاجته لهذا المنتج، ومن ثم يتم طرح عدة أفكار من قبل مصممين محترفين في الإعلان لإنتاج إعلان احترافي جذاب مشوّق، في حين نجد أن جميع ما سبق لا تقوم به مؤسسة الإعلان ولا حتى مصممو الإعلان، بل على العكس نجد الكثير من المكاتب غير مرخصة لأشخاص لا علاقة لهم بالإعلان، الأمر الذي يؤثر على سوية الإعلانات المقدمة.
احتضار الإعلان
لا يختلف تأثير الإعلان التجاري عن تأثير المسلسلات التي يتم عرض الإعلانات خلالها، إذ تجد الدكتورة فريال حمود، “علم نفس”، أن الإعلان والمسلسل يستهدفان الجمهور العريض ذاته الذي بدوره عبارة عن متلق لم يعد هش البنية كالسابق، خاصة بعد سنوات الأزمة التي لم تُبق المستهلك كمادة خام وعرضة لتلقي وتقبّل أية مادة تعرض عليه، بدليل عدم تقبّل الشريحة العظمى من المشاهدين لنماذج الإعلانات التجارية التي انهالت على الشاشة خلال شهر رمضان الكريم، لنجد الكثير من الأمهات في حالة شكوى دائمة من بعض الإعلانات التي لها ترنيمة تشبه نماذج أغاني الأطفال التي تعرض على قناة طيور الجنة، والتي تتمركز في العقل الباطن ليبقى الطفل يرددها طيلة الوقت دون وعي وفهم لكلماتها ومضمونها، إذ تغلغلت بعض الإعلانات خلال السنتين الأخيرتين بكثير من السلبية إلى عقول المشاهدين دون سابق إنذار، ليبتعد الإعلان بذلك كل البعد عن هدفه، فالإعلان أولاً وأخيراً هو علم وفن، وتصميم الإعلان يحتاج إلى الموهبة والدراسة والدراية التامة بأسس وعناصر التصميم ومبادئه، وللإعلان دور مهم في تشكيل سلوكيات أفراد المجتمع على مستوى توجيه أو تعديل قراراتهم الشرائية بتقديم المعلومات الكافية لهم عما يتواجد في السوق من سلع أو خدمات، وأسعارها، وأماكن تواجدها، ومدى الإشباع الذي يمكن أن تحققه لهم، كما يخدم الإعلان المنتج في تعريف جمهوره المستهدف بما يقدمه لهم من سلع أو خدمات تحقق لهم الإشباع الأفضل لتتم عملية البيع وتتحقق الأرباح، وبالتالي يستمر بقاء المنشأة والعاملين بها، أما ما يسلكه مصممو الإعلانات في بلدنا فهو الاعتماد الكلي على جذب الجمهور لشراء المنتج من خلال تقديمه من قبل فتيات إعلانات جذابات، والغاية بالطبع هي فائدة صاحب السلعة الذي يدفع للمؤسسة التي تقوم بتقديم فكرة الإعلان والترويج له، بغض النظر عن قناعتها بفائدة هذه السلعة أو ضرورة هذه الخدمة، والعامل الأهم للطرفين هو الربح، والخاسر الوحيد هو المواطن في أغلب الأحيان، وأكدت حمود على أهمية الاطلاع على ما يسمى بعلم النفس التجاري الذي يبحث في استخدامات علم النفس في مجالات البيع والإعلان والتسويق بشكل عام، بناء على دراسة وتحليل سلوك المستهلكين.
ميس بركات