البرتقال المقاوم
يستعيد العرب والفلسطينيون وأصدقاء قضيتهم في العالم ذكرى النكبة بالتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في مقاومة المحتل الصهيوني والعودة وتقرير المصير وبناء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، فقد شهد التاريخ أسوأ احتلال يمارس طمس الهوية ويقتلع جذور أصحابها ويسطو على تاريخهم وتراثهم ويشردهم في جهات الأرض ويمارس أبشع ما عرفته البشرية من اعتقال مؤبد وهدم للبيوت فوق رؤوسهم واقتلاع زيتونهم وتكسير عظامهم، فقد حفل تاريخ الاحتلال بأسوأ الصفحات وأكثرها دموية في التاريخ البشري المعاصر.
لم تكن أرض فلسطين الكنعانية خالية من سكانها حسب ادعاءاتهم التوراتية بل كانت تحفل بكل معطيات الحياة والإبداع وقد تجلى بعد النكبة هذا النبع المتدفق من الفنون المقاومة للقبح والظلم فجاءت مواكبة لمسيرة نضال هذا الشعب ومعاناته منذ بداية نكبته، فكان الشعر والأدب والفن التشكيلي سلاحا حادا لا يقل أهمية عن رصاص فدائي يعتمر كوفيته مبشرا بعودة شعبه ومستخلصا من الكفاح المسلح طريقا لها , فكان الأنموذج التشكيلي الأبهى في لوحات الفنانين، وقبل ذلك كانت تلك المشاهد المروعة في الخيام والتشرد التي جعلت منه منطلقا ثائرا ومسلحا بالبندقية واللوحة والقصيدة، لتبدأ كتابة رواية هذه السيرة المشرفة للإنسانية في مواجهة سيرة المحتل السوداء المدعومة بالزيف الصهيوني العالمي والمدججة بأحلام التوسع والدولة العنصرية، كم كبير من الأعمال الفنية تخاطب الضمير الإنساني شارك في إنتاجه فنانون فلسطينيون وعرب وأجانب أصدقاء لفلسطين رسموا ملامح النكبة وآلامها، ورسموا مواجع الحنين للوطن ورسموا حديد المحتل ومجنزراته القبيحة تدوس بيارات البرتقال وتقتلع وجه الأرض الأخضر وتقيم مستوطنات الموت والعدوان وتعزل الناس في قراهم ومدنهم، وتحجز فيما بينهم بأسلاك شائكة وبالجدران الفاصلة التي حولها الفنان الفلسطيني إلى واجهة يرسم عليها لوحة تمثل واقع العزل والتجويع يقابلها الأمل بنهاية هذا المحتل، ونستذكر في يوم النكبة سيرة إبداع الفنانين الفلسطينيين ومواكبتهم معاناة شعبهم من النزوح والتهجير ومن ثم ثورته المسلحة المؤلفة بقوافل الشهداء، وصولا إلى إنتاج لوحة تشكيلية تخاطب أوسع مساحة من العالم وتساهم في كسب التعاطف والتأييد لقضيتهم الإنسانية وقد شاركهم الفنانون العرب هذا ومنهم من انخرط في صفوف الثورة وحمل السلاح ورسم لفلسطين مثل السوري نذير نبعة وبرهان كركوتلي، ونستذكر من القائمة الطويلة أولئك المبدعين الذين أثروا ثقافة العالم التشكيلية وأغنوا بمنتجهم قضية شعبهم: إسماعيل شموط – تمام الأكحل – سليمان منصور – عبد الرحمن المزين – مصطفى الحلاج – محمد الوهيبي – عبد المعطي أبو زيد – عبد الحي مسلم – محمد الركوعي – زهدي العدوي.. وعشرات غيرهم، ونتوقف عند الفنان الشهيد عبد العزيز محمد الذي استشهد إثر غارة إسرائيلية على تونس وصاحب اللوحة الشهيرة “البرتقال المر” المنشورة في الملصق المعروف عالميا.
أكسم طلاع