دراساتصحيفة البعث

المرتكزات العنصرية التي بنى عليها العدو الصهيوني كيانه

المستشار رشيد موعد

قاضي محكمة الجنايات سابقاً

أقدمت عصابات الهاغانا وشتيرين والآرغون، وهي من شتات يهود العالم المهاجرين إلى فلسطين بالاستيلاء على ممتلكات مليون نسمة من العرب الفلسطينيين الذين طُردوا من ديارهم وأراضيهم واغتصابها قسراً بمؤامرة وتواطؤ من أمريكا والدول الغربية.

وبعد صدور القرار رقم/273/ تاريخ 11/5/1949 الذي قُبل بموجبه الكيان الصهيوني عضواً في الأمم المتحدة، وقف (دافيد بن غوريون) وهو أول رئيس وزراء لهذا العدو مخاطباً تلك العصابات التي تشكَّل منها فيما بعد ما يُسمى (جيش الكيان الإسرائيلي) قائلاً: “أهنئكم على قيام دولتكم”..

في هذا المقام، سأستحضر أرقاماً، وتواريخ، وأسماء، ومستندات كلها أسهمت في نكبة فلسطين، لأن هناك مرتكزات بنى عليها الكيان الصهيوني دولته:

أولاً: المؤتمرات الصهيونية التي بدأت عام 1897 في سويسرا برئاسة زعيم الحركة الصهيونية العالمية (تيودور هرتزل)، حين قال في افتتاح أول مؤتمر حضره 300 من حكماء بني صهيون: “لقد بدأنا بوضع اللبنة الأولى في بناء الدولة اليهودية”، واختتم المؤتمر قائلاً: “أُبشركم لقد بنينا هذه الدولة. وَسَترى النور بعد 50 عاماً”، وحتى في مذكراته قال: “إذا قدر لنا.. وأخذنا القدس.. فسأمحو وأزيل كل أثر لا يمت لليهودية بصلة”.

ثانياً: بتاريخ 1907 جمع رئيس وزراء بريطانيا “كامبل هنري بترمان” وزراء خارجية دول أوروبا الاستعمارية وقال لهم: “علينا أن نمنع الوحدة العربية بين المشرق العربي.. والمغرب العربي. قالوا له: كيف يكون ذلك.. قال بزرع جسم غريب في قلب الأمة العربية فلسطين”، وكان ذلك تمهيداً لوعد بلفور  الصادر بتاريخ 2/11/1917.

ثالثاً: معاهدة سايكس بيكو بين وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا، هذه المعاهدة التي قسَّمت الوطن العربي وأضعفته. جرت هذه المعاهدة بعد مؤتمر سان ريمون 16/5/1916.

رابعاً: وعد بلفور الصادر بتاريخ 2/11/1917 الذي أعطت بموجبه بريطانيا حقاً ممن لا تملك ذلك الحق.. إلى من لا يستحقه. وهو (وطن قومي لليهود في فلسطين).

خامساً: صك الانتداب البريطاني الذي أقرته عصبة الأمم على فلسطين بتاريخ 24/7/1922 والذي مهد لتنفيذ وعد بلفور بقدوم المهاجرين اليهود إلى فلسطين.

سادساً: قرار التقسيم بتاريخ 29/11/1947 الصادر عن الأمم المتحدة الذي قسَّم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية.

سابعاً: احتلال واغتصاب كامل فلسطين بتاريخ 15/5/1948.

لقد أقام الكيان الصهيوني دولته بقرار، وهذا مخالف للقانون الدولي فالدول لا تنشأ بقرار، كما أنه  ليس لهذا الكيان دستور، وهذا أيضاً لا يتوافق مع القانون الدولي، والأهم أن دولة الكيان ليس لها حدود، وهذا أيضاً مخالف لشرعية الأمم المتحدة وميثاقها.

وفي كتابه “دليل فلسطين السياحي” الفصل الثالث منه، عرف الصهيوني المتطرف “دافيد ترشيش” حدود الكيان الصهيوني: “لا يعتبر المسافر خارج البلاد.. إلا إذا اجتاز حلب في الشمال.. والإسكندرية في الجنوب. إن أرض إسرائيل ليست فلسطين فقط إنما تمتد أيضاً إلى المدينة المنورة وكذلك أرض السبي والأسر.. وكان يعني بذلك إشارة إلى العراق”.

وتحدث ماكس نوردار في المؤتمر الصهيوني المنعقد في لاهاي بتاريخ 14/7/1917 أي قبل إعلان (وعد بلفور) بحوالي أربعة أشهر قائلاً: “إن هذه الحدود سوف تكون امتداداً للحدود الحضارية الأوروبية حتى تصل إلى نهر الأردن”.

وأخيراً جاءت “غولدا مائير” رئيسة وزراء العدو الصهيوني آنذاك لتقول  في نشوة النصر على العرب عام 1967: “لن تُعين لنا حدود.. ولن يُعيِّنها أحد.. نحن الذين نُعيِّنها”، في حين جاء المؤرخ البريطاني الشهير “أرونولد توينبي” بمنحى آخر ليقول: “إذا ما كان لمطالب الشعوب أن تلبى، وهي في هذه الحالة تعود إلى أكثر من 2500 سنة فلن تنتهي عملية توزيع الأراضي، واقتلاع الشعوب من أوطانها في جميع أنحاء العالم”.

كما أكد ذلك مؤرخ كتاب “موجز تاريخ العالم” هـ.ج ويللز مفنداً ادعاءات اليهود التاريخية، حين قال: “إذا كان من المناسب إعادة بناء (دولة يهودية في العالم) تلك الدولة التي لا وجود لها منذ 2500 سنة فلماذا لا تكون ألفاً آخر من السنين، ونعيد بناء الدولة الكنعانية، علماً أن الكنعانيين، خلافاً لليهود ما زالوا موجودين في فلسطين. أما مجلة (كيفونيم العنصرية الصهيونية) وعقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 نشرت مقالاً على درجة من الخطورة، يستحق الالتفات إليه، تضمن خطة مدروسة لتقسيم الوطن العربي وتدميره، وإشعال الفتن المذهبية والحروب الطائفية فيه، تمهيداً لاحتلاله.. فهل كنا حينها نقرأ، لنعلم ما يخفيه لنا هذا العدو. وفي مذكراته التي احتوت 5 مجلدات، يقول هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق في المجلد الثالث: “سياستنا تقوم على إشعال الفتن بين الدول العربية”.

رغم ما تقدم، فإن الكيان الصهيوني إلى زوال، لأن عاداته، وتقاليده لا تأتلف مع عاداتنا وتقاليدنا، فهو جسيم غريب في جسم سليم، ولابد أن يزول، وحتمية التاريخ تقضي بزواله.