تحقيقات

دلال الأطفال.. يعزز شعور الأنانية.. وسلوكيات تتسبب بالأذى للأهل والمجتمع

هناك عوامل للغضب تتعلق بالأمراض الجسمية تتسبب في عدم استقرار الطفل وعصبيته كاضطرابات الغدد، وسوء الهضم، ومرض الصرع، والإصابة باللوز، وفي حال خلو الطفل من الأمراض العضوية التي تؤثر على صحته العامة فستكون الأسباب نفسية يتحتم علاجها، فالشعور بالعجز، والعداوة، واللجوء للعزلة، مشاعر سلبية ترجع إلى حرمان الطفل من الدفء العاطفي، وعدم إشباع حاجاته للشعور بالحب والحنان والانتماء والقبول، والتأثر بسيطرة الآباء في سطوة متجبرة، حيث نرى معظم الآباء يفرقون بين طفل وآخر بالمعاملة، ويعدون أطفالهم بعدة أشياء، ثم لا يفون بوعودهم، وهذا ما يسبب تناقض البيئة في مفهوم الطفل، الدلال المفرط،
فالمظاهر العصبية تنتقل من العائلة إلى الطفل، فهو يقلّد أبويه، فالأم الحانقة تعلّم أطفالها العصبية والتهور والرعونة بدلاً من العقلانية والهدوء وعدم الانفعال، والأم المتسلّطة تصبح مصدراً محبطاً للطفل فيقاومها أبناؤها كلما تمكنوا من ذلك بعكس الأم المرنة الهادئة التي يحبها الطفل ويثق بها، وبالتالي يخضع لمشيئتها، ومعنى هذا بحسب دكتور الاجتماع مصطفى محسن أن كل الانفعالات والأساليب السلوكية والعادات والاتجاهات، سواء كانت مرضية أو صحية، تتمركز حول الآباء باعتبارهم مصادر السلطة، فعندما يكبر الطفل ينقل هذه الانفعالات والأساليب، ويبدأ في تعميمها، وعند الانتقال للمدرسة تصبح المعلمة البديل لأمه، والمعلم يصبح بديل الأب، ولذلك فتربية التلاميذ الصغار تؤثر بسلوكهم نحو الأفضل، حيث يمكن تغيير ما تأثروا به بالمنزل، ويضيف محسن: الدلال وفرط الحماية للطفل يؤثران سلباً في عصبية الأطفال، فإذا كانت القسوة تؤدي إلى عصبية الأطفال وتوترهم، فإن الدلال المبالغ به، والإفراط في الحماية يؤديان إلى انفعالات مرضية وتوتردائم، فالدلال ينمي في الطفل صفة الأنانية، ويجعله دائم التمركز حول ذاته وكأنه محور الكون ومركز الاهتمام، فيتعلّم ضرورة تلبية طلباته دون تأجيل، ويثور إن لم تجب رغباته لأنه يحس بوجدانه أنه مريض، وأن المجتمع كله ضده، والدليل في نظره أنه لم يحقق رغباته ومطامحه دون أن يدري أنه لا يمكن تلبية جميع رغباتنا في آن واحد.

تحمّل المسؤوليات
الطفل الوحيد يكون مركز الاهتمام وينال رعاية كبيرة ومركزة تنحصر فيه آمال الأبوين، ويتوقعان منه إنجازات رائعة، وبالتالي يقع الوالدان في خطأ الرعاية والحماية المفرطة له ويدللانه دلالاً مبالغاً به، فوالداه يشعران أنهما لن ينجبا غيره فيخفقان في تربيته، وتبرر الدكتورة مها بيرقدار أن الأبوين يستجيبان لكل رغباته طائعين لا يحاولان إطلاقاً رفض طلباته، ويسرعان إلى تهدئة خاطره واسترضائه ما يؤثر تأثيراً سيئاً في نمو شخصيته، فيصبح معتمداً عليهما في كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي لا يستطيع أن يتحمّل المسؤوليات المناسبة لسنه، وما يزيد الأمر سوءاً هو منع الطفل من اللعب مع رفاق سنه خوفاً عليه من تعرّضه للحوادث والإصابات، فيحاولان جاهدين استبقاءه في المنزل حتى يكون في أمان من الخطر، والواقع أن هذا المسلك يجعله يجد صعوبات كبيرة في تفاعله وتوافقه الاجتماعي مع من في سنه، لذلك يجب أن يدرك الأبوان أنه يجب تعويض الطفل الوحيد عن الإخوة بعدد مناسب من الأصدقاء والرفاق ممن هم في سنه حتى ينمو اجتماعياً النمو المناسب والمعقول من خلال تفاعله معهم، ومما يفيد الطفل هنا إلحاقه مبكراً بدار حضانة جيدة ومناسبة، وكذلك شغل وقت فراغه بالهوايات الممتعة.

مستوى الذكاء
الطفل الأول يمثّل دائماً البداية الجديدة لأية أسرة شابة، فهو أول خبرتهم في مجال الأبوة والأمومة، ولا شك أن النظرة الأولى للطفل يكون ملؤها الفرح والسعادة، حيث يصبح محط أنظار والديه ومركز اهتمامهما ومطامحهما، فيدفعانه إلى تحقيقها، ويشعر الطفل الأول أنه مركز اهتمام الأسرة، لذلك يتحول الطفل الثاني إلى كارثة أحلت عليه، وتضيف بيرقدار: الضعف العقلي ومستوى الذكاء المنخفض يكون غالباً مصحوباً بالتوتر والعصبية وعدم الاستقرار، وقد تصل العصبية إلى حد التحطيم والتخريب، وتزداد عصبية ضعاف العقول كلما مورس الضغط، خاصة في تحصيلهم وأدائهم العلمي، ومما يزيد عصبية هؤلاء تأنيبهم كلما أخفقوا، أو مقارنتهم بأقرانهم الأسوياء، وهي مقارنة تنطوي على بعض الظلم، فيشعرون بالنقص والدونية وخيبة الأمل، ما يزيد توترهم نفسياً وعصبياً، وعلى الآباء التعجيل بالعلاج الطبي اللازم حسب الحالة، وإعادة تربيتهم تربية خاصة، واستثمار ذكائهم المحدود، ومساعدتهم على التوافق الاجتماعي، وحمايتهم من استغلال الآخرين لهم، وإعداد وتوجيه الوالدين لكي يتحمّلا عبء هذه المشكلة وقائياً وعلاجياً.

داء العصبية
الطفل الذكي يعاني أيضاً من العصبية والتوتر وعدم الاستقرار، وذلك لأن مستوى تفكيره يختلف كثيراً عن أقرانه، فكلما استرسل المعلم للشرح والإعادة شعر الطفل الذكي بالملل والضيق والتبرم، فهو يستوعب بسرعة ملحوظة، وكذلك في المنزل، فهو لا يبذل جهداً كبيراً في التحصيل والاستذكار، فينتابه الغرور والثقة الزائدة بالنفس، تشير بيرقدار إلى علامات الغضب عند الطفل، فالحركات الناتجة عن عصبية الطفل تظهر بمص الابهم والأصابع وقضم الأظافر، أما الحركات العصبية اللاإرادية فهي تتخذ صفة العادة كهز الساقين بطريقة شبه مستمرة، ورمش العين في تلاحق مستمر، وتحريك جوانب الفم، وتحريك الرقبة يميناً ويساراً، وكلها تتم بطريقة عصبية تلقائية متتابعة، وحتى نقي أطفالنا من داء العصبية يجب عدم التدخل بشؤون الأطفال إلا بالقدر المعقول من التوجيه والإرشاد، وترك حرية التصرف لهم بالقدر المناسب، بالإضافة إلى إتاحة ممارسة النشاطات الاجتماعية كما يجب، وعدم التفريق في المعاملة بين الأبناء بالحب والتقبيل والتقدير والأمان، مع إشباع حاجاتهم النفسية، وعدم اللجوء للتعنيف، فعصبية الأطفال ليست وراثية، وإنما هي سلوك مكتسب ومتعلّم، لذلك يجب على الأهل التحلّي بالهدوء والاتزان والصبر في التعامل معهم.

ميادة حسن