عقدة الذنب.. تنهك الأفراد وتعرقل تطور المجتمعات!
المشكلة الأساسية في مجتمعاتنا العربية تكمن في التفسير الخاطئ، أو التحيير لأحكام الدين، وتنشئة الأجيال على تمجيد عقدة الشعور بالذنب تجاه تداعيات المراحل الأولى لنمو فيزيولوجية الأحاسيس والمشاعر الجسدية الطبيعية في جسد الإنسان، ذكراً كان أم أنثى، وفقاً لما أكده لنا الشاعر والأديب بركات يونس، ففي الوقت الذي يستلزم الأمر فيه احتفالاً مجيداً يرافق تفتح مدارك الفرد، وتعرفه أكثر فأكثر على الرابط الكوني المقدس، نجد أنه للأسف ينمو الفرد على عقدة الخوف من توهج مشاعره الطبيعية، ومما ترتكبه به حواسه من خطايا بحسب اعتقاده، كنتيجة لتلك العقدة بدلاً من أن يدرك النعمة والغاية من وجوده وتطوره الفيزيولوجي، وفي الوقت نفسه يشاهد هذا اليافع مجتمعه يستهتر بالأخطاء المدمرة المرتكبة من أناس في مقدمة المجتمع، ويسكت عن أذية الآخرين، وانتهاك حقوقهم، وإباحة ممارسة الكذب، لا بل يتم تدريب الطفل وحضّه عليها من قبل البعض كفضائل يكافأ عليها، وبهذا السلوك تنغلق طاقات الفرد على عقدة توقف تطوره العقلي في أهم مراحل حياته، وتعيق قدرته على الاكتشاف، والتعلّم، والعطاء، وترجمة مواهبه إبداعاً وتجديداً في مختلف مجالات الحياة، وأعني مرحلة المراهقة، يتابع يونس، ويربطونها بكل عيوب الدنيا، وسيئاتها، فعندما يدأب المجتمع على تحذير وتخويف الناشئة مما هو طبيعي في سلوكهم الإنساني، ولابد من حدوثه لدى أي إنسان، سوف تخبو طاقاتهم، وتفتر هممهم، ثم يكتمل شعور اليافعين بالقهر عند إجبارهم على سلوك السبل التي ترضي الأهل والمجتمع في كافة ميادين العمل بشكل يضيع مواهبهم الحقيقية، ويتم استهلاكهم في أعمال لا جدوى منها، وكل هذه الظواهر السلبية لن ينتج عنها إلا مجتمع مقهور منهك، ويتابع يونس: أرى أن هذه الحروب التي عصفت بمعظم الدول العربية كشفت لنا زيف الموروث الشعبي، وأنذرتنا بإيجاد فرصة أخيرة لنتغير، ونخلص مجتمعاتنا من أوبئتها.
مرض خطير
وفقاً لرأي الشاعر والأديب أحمد صالح إبراهيم فإن هناك ما يبعث على التفاؤل عندما نشاهد إنساناً يشعر بتأنيب الضمير نتيجة تقصيره أو خطئه بحق غيره، وشعر بالحزن نتيجة ذلك، وحزنه هنا دليل وجود نفس لوّامة تعرف قيمة الإنسان وتحافظ عليه، وحتى إن رافقت الحزن حالة من القنوط لمدة معينة مقبولة لا تعيق المسيرة إلى حد كبير، أما إذا استمرت هذه الحالة إلى أن يتطبّع الشخص بشكل دائم بهذه الصفة، فذلك مرض خطير لا شك، حيث سنكون أمام شخص ظالم أجحف بحق نفسه، ولم يعطها ما تستحقه من خير، والمشكلة الأكبر تكمن فيما إذا كان قائداً لغيره كرب الأسرة أو صاحب العمل، فذلك سيؤثر على ثمرات رسالته التي وُجد لتأديتها أياً تكن، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى انعدام دوره الذي يجب أن يكون فاعلاً في أدائه، عدا عن الطاقة السلبية التي سيورثها لخلفه، ومطلوبة الثقة بالنفس لننقلها بدورنا إلى الأجيال الذين يعتبروننا قدوة لهم، أما الانغماس في الخوف، والقلق، والعزلة، والكبت، والتعب، والكسل، والتشاؤم فكلها نتائج حتمية لما يسمى (عقدة الذنب)، وسينتج عن أب من هذا النوع ولد، وعن الرئيس مرؤوس، وعن المعلم تلميذ، ونتساءل هنا: أي مجتمع سينتج عندئذ؟.
إن الثقة بالنفس، لاسيما النفس التي تنسجم والمنطق الفطري الذي أوجد الله الإنسان عليه، وهو ما نسميه (الوعي الأخلاقي اللاإرادي، وحق النفس الأخلاقي)، وهو دليل سلامة لابد منه من أجل استمرار البشرية في التقدم للوصول إلى التطور المناسب للزمان والمكان المناسبين.
نناقض فطرتنا
بينما تتباهى كل مجتمعات الكون بالتطور الفكري، والتشريعي، والعلمي، يرزح الإنسان العربي تحت مظاهر الرجوع للموروث الشعبي عند كل موقف، وتشاهد بعض رجال دين، أو الواعظين بعقول من العصور الوسطى يحتلون الشاشات الفضائية، يعززون عقد الذنب والخوف من كل شيء وفقاً لما أكده سالم إبراهيم “باحث اجتماعي”، وشغلهم الشاغل تلقي الاتصالات من مجتمع معظم أفراده تم حرف تفكيرهم نحو المظهر، والابتعاد عن الجوهر، أو الفلسفة بشكل دفن معه العقل الابتكاري العربي منذ قرون مضت، ونسمع في برامجهم من يشعر بالذنب، أو من تشعر بالخوف من لباس معين، أو سلوك عادي لدى أي إنسان، أو رائحة العطر، وأسئلة سخيفة أخرى، وإن كان ما يحدث لنا من كوارث هو من مظاهر حب الله لنا، وهل المرض عقاب للإنسان أم هو أمر عادي، فيجيب ذلك الإنسان بأن رأي فلان كذا، وهو حرام عند علتان، وحلال عند آخر، وبشكل قد يتناقض حتى مع كلام الله، والعلم، والقانون، والأخلاق، والسؤال هنا: لماذا نجلد ذواتنا، وعقولنا بتلك التساؤلات مع إجاباتها؟ نحرم التمثيل، والشعر، والتبرع بالأعضاء، والسينما، والرسم، والنحت، والتصوير، لكننا نعيش معها كواقع تسير إليه كل المجتمعات البشرية، وتتماشى مع عقولنا وسجيتنا، فالذنب بيّن، وأذى البشر بيّن، ويتوجب علينا أن نتحرر من هذه العقد التي رمتها كل دول العالم خلف ظهورها، وتوجهت نحو ما يجب الابتعاد عنه من قيم فاسدة تؤدي لدمار المجتمع، وتراجعه، وفناء أفراده.
بشار محي الدين المحمد