“هواجس عابرة” .. وهم الكوميديا مرة أخرى!
حشد النجوم والذين يُصنف العديد منهم بكونهم فنانين “كوميديين” –أحمد الأحمد- جرجس جبارة، جمال العلي، سوسن أبو عفار، وكاريس بشار، التي سبق وأدت العديد من الأدوار الكوميدية الناجحة، وغيرهم من الفنانين الذين حفل بهم مسلسل “هواجس عابرة” تأليف: حسن مصطفى، مهند قطيش وإخراج الأخير، هذا الحشد لم يكن له تأثيره المتوخى منه في كسب الجمهور للمتابعة، النقطة التي اشتغل عليها قطيش منذ شارة العمل، والذي قام بجعله على طريقة الفيديو كليب، تؤديه “كاريس بشار” بطريقة “الليبسنغ” مع النجم “أحمد الأحمد”،أما شارة الغناء التي كتبتها “رامية بدور” ولحنها رضوان نصري فقد غنتها زينة أفتيموس وعمر نويلاتي.
هواجس عابرة العمل الذي تأجل عرضه أكثر من مرة، للعديد من الأسباب التي أُعلنت والتي لم تعلن، ومن المعروف منها عدم قبوله من عدة محطات تم عرضه عليها خلا عن محطة عرضته مشفرة، وبعد عرضه خلال هذا الموسم الدرامي الذي يُعتبر الأكثر جفافاً واضمحلالاً في زمن الدراما المحلية، تبينت العديد من أسباب عدم عرض العمل من قبل العديد من المحطات، العمل ينتمي إلى “الكوميديا الاجتماعية” كما أخبر بذلك “قطيش”، يقدم عشر شخصيات تجتمع في مكان واحد، منها طبيب الأسنان، مصور فوتوغرافي، سكرتيرة، كوافيرة، زوج متسلط وغيور ويعاني من هواجس نفسية، زوجة تعاني من زوجها وغيرته، مصورة، وما سينتج من العلاقات التي تجمع تلك الشخصيات ببعضها، من مفارقات كوميدية المفروض بها أن تكون الحامل العام للعمل الذي تم إنجازه بطريقة “السيت كوم”، الطريقة التي نفذت بها عشرات الأعمال التي حملت صفة “كوميدية”، وكان هذا هو القالب الأمثل لمسلسل لا حكاية فيه، بل عشرات القصص المفككة والأحداث المفتعلة لتبدو كوميدية، الحوار الركيك، الأداء الذي تراخى لغياب الحكاية، وبالتالي باقي تفاصيلها من الحبكة والذروة والمنطق الحكائي والخاتمة التي تركت شبه مفتوحة باعتماد عرض الحلقات بصيغة “متصل- منفصل”، وهكذا لم تقدر مجموعة الممثلين الحاضرين بقوة في المشهد الكوميدي السوري في أعمال مشابهة، على رفع العمل وجعل نسب المتابعة الجماهيرية له مرتفعة.
غياب القصة المتكاملة، عدم نضج الأفكار المطروحة، أو سوء ترجمتها بصرياً باعتبار أن الرمزية المفرطة كانت هي الأبرز في بعض الحلقات، بطء الأحداث، الأداء “الأوفر” للتعويض عن غياب الحبكة، الشخصيات ذات النمط الواحد، غياب الصراع الدرامي الذي يكون هو السبب في تطور الشخصيات لتصبح أنماطاً كوميدية بملامح وسمات بارزة تقتضيها الكوميديا عموماً، هذا وغيره جعل المشاهد يستنجد بجهاز التحكم لمتابعة عمل آخر قد يمنحه فرجة درامية أكثر إمتاعاً، دون الحاجة لأن تكون كوميدية لتحقيق ذلك.
في كل مرة يسقط فيها عمل درامي من اعتبارات الجمهور، فإن هذا السقوط وبعد مكاشفته، يتبين أن الورق هو السبب، عندما لا يكون لديك قصة، سيكون من الصعب أن تصنع مسلسلاً محبوكاً من ألفه إلى يائه، وهذا ما أكده قطيش بقوله: “اعتمدنا في المسلسل على أفكار من صنع الجميع؛ ذلك أنهم جميعاً عملوا على إغناء الأفكار الأساسية وتوليفها بحيث صارت المادة قابلة للتنفيذ، فكل الممثلين أصدقاء شخصيين وقدّموا جهداً إضافياً في سبيل إنجاح العمل وتقديمه بصورة أفضل”، هذا يعني أن الحكاية لم تكن واضحة للممثلين أنفسهم، ما اضطرهم للتدخل ليظهر كل واحد منهم شخصيته الغائبة الملامح الدرامية، وهكذا مع “خلطة” الإضافات التي قدمها “الجميع” خرج “هواجس عابرة” من كونه عملاً درامياً كوميدياً، إلى كونه مسلسلاً لا صفة محددة يمكن توصيفه بها، فالكوميديا تحضر من خلال المواقف والتناقضات الاجتماعية والإنسانية الطبيعية، العفوية، اللماحة، الذكية، والتي تكون عادة هي سبب الكوميديا نفسها حتى لو كانت في قمة المأساة، لا من خلال الانفعالات “الأوفر” كما أسلفنا في الأداء مع بهرجة الألوان والميكس الموسيقي المرافق.
يمكن أن نطرح على صُناع العمل السؤال التالي، على اعتبار أن الأحداث تدور كلها في مكان واحد: لماذا ليس “هواجس عابرة” عرضاً مسرحياً أو عدة عروض حسب الحكاية؟ أليس شرطه الفني الذي قُدم به، يصلح للمسرح لا للتلفزيون؟.
تمّام علي بركات