بعد نجاح تصنيع سفينة محلياً.. ماذا ننتظر لتنفيذ مشروع الحوض الجاف؟
سفينة سورية بمواصفات فنية ممتازة وجهوزية عالية بدأت تبصر النور في مدينة طرطوس، حيث نجحت عائلة “أبو النصر” بصناعة باخرة سورية في منطقة دوير الشيخ سعد التي تبعد عن البحر مسافة ستة كيلومترات، لتكون تجربتهم الأولى في هذا المجال بعد عمل طويل في مجال إصلاح السفن البحرية، ومن المتوقع أن تبحر السفينة بعد نقلها إلى المياه في الأشهر المقبلة بمهمة أساسية هي إصلاح السفن والبواخر كبيرة الحجم.
النجاح بصناعة سفينة سورية تتجهز بعد أشهر لخوض البحار حاملة الهوية السورية لصناعتها يؤكد أن الإبداع السوري لأحفاد الفينيقيين لايزال متجدداً رغم كل ظروف الحرب والحصار، لكنه يترك السؤال مفتوحاً عن إمكانية تنفيذ مشروع حوض جاف لصناعة السفن في بحر مدينة طرطوس، وعدم الاكتفاء بتجربة وحيدة، واتخاذ خطوات جدية فعلية في هذا المجال لأهمية هذا المشروع اقتصادياً، والقدرة على تنفيذه، واستيعاب أيد عاملة كثيرة في حال أبصر النور، إضافة لما يقدمه من توفير نفقات كبيرة تذهب لإصلاح السفن السورية في دول مجاورة.
تحد وإصرار
صنّاع السفينة تحدثوا عن المراحل التي تم العمل بها، وكيف كان التحدي والإصرار السمة الأبرز لتنفيذ هذا المشروع واستكمال السفينة التي توقف العمل بها بعد سنوات من البدء عام 2014، مؤكدين: في بلدنا يمكن أن تنجح هذه الصناعة رغم كل الصعوبات، ولدينا كل ما يلزم لتنفيذ أية سفينة تضاهي ما ينفذ في الخارج، بدأنا العمل في نهاية 2014، وكانت المعدات موجودة في المصنع الذي نقوم فيه بالإصلاح وصيانة قطع السفن، لكن أكثر الأشياء صعوبة كان تأمين محرك الباخرة، حيث تم تزويد الباخرة بمحرك “كاتربيلر” 600 حصان بحري الذي يمكنّها من السير بسرعة 20 عقدة، وهي سرعة كبيرة لننجح بصناعة السفينة التي تعد من الحجم المتوسط، وهي بطول 28 متراً وعرض 7 أمتار، وحمولتها الفعلية 300 طن، واليوم لدينا تحد جديد بنقل هذه السفينة إلى البحر في الأشهر القادمة.
استكمال الإرث
بدوره أكد منذر رمضان، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الحرفيين بطرطوس، أن النجاح بصناعة سفينة بعيداً عن البحر ما يقارب 6 كيلومترات أو أكثر بمواصفات عالمية وبأيد سورية ومواد محلية، هو استكمال لإرث أجدادنا الفينيقيين صنّاع السفن الأوائل، حيث تفوقنا عليهم ببناء سفينة بهذا البعد عن البحر، موضحاً أن السفينة ستحمل ورشة إصلاح ضمن المياه، ومعدات خاصة لإصلاح السفن والبواخر الأخرى، وهي حالياً بحاجة لإكساء خارجي واستكمال معداتها والمقصورات بداخلها، ووضع المعدات اللازمة فيها، وهناك خطة معدة لنقل السفينة عبر “لودر” خاص بها (على مبدأ المعدات التي تحمل السيارات لكنها خاصة للسفن) يتم تحميلها عليه وتنقل حيث سيتم إنزالها للبحر وستبحر.
حوض السفن
وأكد رمضان أن المطلوب اليوم هو العمل بجدية لتنفيذ مشروع حوض جاف لتصنيع وإصلاح السفن وبكافة المقاسات، فسورية لديها مسافة 180 كيلومتراً على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، منها 90 كيلومتراً خاصة بطرطوس، وهناك فعلياً أكثر من منطقة قابلة للاستثمار لتكون حوض سفن تسمى مزلقان للسفن، تستخدم عند الانتهاء منها لإدخالها إلى مياه البحر، وهناك مناطق في شاطئ طرطوس تصلح لهذا الغرض، وربما نذكر منها منطقة بصيرة، والمناطق التي حولها كالحميدية وغيرها، ومن صنع هذه السفينة قادر على تصنيع سفينة أكبر بمواصفات عالمية، فأي سفينة موجودة في البحر نحن قادرون على تصنيعها، فالإمكانيات موجودة، والأيادي لهذه الصناعة موجودة، وهناك آخرون غير العائلة التي نفذت السفينة مستعدون لتصنيع السفن، سواء المراكب الخشبية، أو المراكب المصنوعة من المعدن، ويجب البدء بخطوات فعلية، وتسهيل الإجراءات القانونية والإدارية المطلوبة، وإعطاء الصلاحية لبناء سفن حقيقية لإحداث الأسطول السوري بأيدي السوريين، فالسوريون هم أحفاد الفينيقيين، وهم أول من صنعوا السفن وأبحروا، فأين نحن من الأجداد!.
ناقوس خطر
رمضان أوضح أيضاً أن كلفة تنفيذ السفينة كانت منخفضة جداً قياساً للأسعار العالمية للسفن، مبيّناً أن إنجاز حوض جاف لصناعة وتجهيز السفن سيكون مشروعاً استثمارياً ربحياً بشكل كامل يعود بالفائدة الاقتصادية لسورية، صحيح أن لدينا حالات فردية وتصنيعاً، لكنه تصنيع خجول يحتاج لدعم حقيقي على الأرض، فالمطلوب أكثر من ذلك، وهو إعادة إحياء هذه الصناعة، وإنشاء الأسطول السوري على أيدي السوريين، ما ستكون له مدلولات كثيرة، وعلينا سريعاً دق ناقوس الخطر إن لم يتم إنشاء الحوض الجاف، فطرطوس لديها شيء خاص بها يجب استكماله، ودون حوض جاف ستنتهي الصناعة، ومن يتعلّم هذه الحرفة قلائل جداً في الجيل الحالي.
محمد محمود