حلويات العيد.. بات لزاماً أن تعد للعشرة قبل أن تفكر بشرائها!!
عشية التحضيرات لعيد الفطر السعيد بات لزاماً أن تعد للعشرة قبل أن تفكر بشراء الحلويات في الفترة التي تسبق العيد، في واقع الأمر هذا هو حال المواطن السوري اليوم الذي لا يجرؤ على التفكير بمزاولة طقوس العيد كغيره من الشعوب التي تحتفل بهذه المناسبة الدينية، لدرجة أضحت فيها مثل تلك المناسبات عبئاً يرهق كاهله ولم تعد مصدر سعادةٍ وفرحٍ واجتماعٍ للعائلةِ والأسباب كثيرة، ولكن يأتي في مقدمتها الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها معظم السوريين.
عادات وتقاليد لا بد منها
لكلِّ عيدٍ رمزيته ودلالته وتقاليده الخاصة التي لا يصح إلاَّ بوجودها وممارستها، وكما يقول المثل الشعبي “بعد العيد ما في كعك” ما يعني أنَّ أهم مقومات العيد هي “الكعك أو المعمول”، كما يطلق عليه باللهجة العامية، فمشكلة ارتفاع أسعار الحلويات بمختلف أنواعها ليست بالأمر الجديد.
وإذا أخذنا مثالاً السنة الماضية، سنرى المشهد ذاته يتكرر مع العلم أنَّ أسعار المواد الأولية لم تكن مرتفعة كما هي اليوم، ومع ذلك وصلت أسعار الحلويات إلى مستويات جنونية! واليوم أصبحت الحجة حاضرة ولا مجال للتشكيك بها، وهي ارتفاع أسعار المواد التي تصنع منها الحلويات، ما مكن التجار وأصحاب تلك المهن من مضاعفتها عشرات المرات، وخلال فترةٍ وجيزة.
ومنذ بداية شهر رمضان وحتى اليوم نلحظ ونشاهد كل تاجر يغني على ليلاه، وكأن الأمر متروك له بتحديد ووضع السعر الذي يرغب به، لدرجة أن بعض الحلويات التي تعتبر من الأصناف السيئة أصبح سعرها يعادل ثلث راتب موظف، وأصبح التجار ينتظرون المناسبات الاجتماعية والدينية ولا يفوتون فرصةً إلا ويمارسون فيها ابتزازهم على المواطن من دون حسيبٍ أو رقيب، ومن دون أي وازع أخلاقي، فالأمر – بالنسبة لهم – لم يعد مرتبطاً بارتفاع أسعار المواد الأولية بل أصبح متلازماً مع استغلال أي ظرف أو أي مناسبة، متناسين بل متجاهلين الظروف الصعبة على الرغم من يقينهم بعدم قدرة المواطن على مجاراة تلك الأسعار.
أحد المواطنين، وهو موظف في شركة المياه، عبر عن استيائه الكبير من الأسعار الخرافية للحلويات والألبسة، وكل ما له علاقة بمستلزمات العيد، يقول: كنا ننتظر بفارغ الصبر فترة الأعياد لما لها من طابع اجتماعي وعائلي مميز، ولكن اليوم أصبح المواطن يشعر بثقل هذه المناسبات.. اعتدنا على ممارسة طقوس العيد بكل تفاصيلها واليوم اختلف الأمر وأصبح مكلفاً جداً ومحرجاً، والعائلة التي تتكون من خمسة أشخاص لن تتمكن من شراء مستلزمات العيد.. أنا، على سبيل المثال، كنت أشتري على الأقل خمسة أو ستة كيلوغرامات من الحلويات متضمنة الشوكولا وغيرها!! اليوم، أصبحت أكتفي بعلبة حلويات واحدة نقدمها للضيوف المهنئين بالعيد من دون أن يكون لأهل بيتي حصةً فيها، فليس من المعقول أن يزورك الأقرباء والجيران من دون تقديم حلويات العيد لهم!! ويضيف: وجود كورونا جعلني أعتقد أن الجميع سيلتزم بيته وستقتصر المعايدات على الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أخفي سراً إن قلت إن هذا الأمر جعلني أعتقد أنني سأرحم من شراء الحلويات.. ولكن وعلى الرغم من التحذيرات اليومية والمتكررة للتقليل من التجمعات والابتعاد عن الاختلاط، سيأتي إليك الأهل والأقرباء للتهنئة بحلول العيد، ما سيرغمني على شراء القليل من الحلويات.
حلويات بالدولار
“أصبح المواطن لعبة بيد التجار يستغلونه لعلمهم أنه في نهاية المطاف لا بد أن يشتري مرغماً.. والكليشة التي ستسمعها عند شرائك مستلزمات العيد هي أن الدولار ارتفع!”.. هذا ما قالته أم سعيد السيدة الخمسينية التي كانت تعمل في ورشة خياطة في منطقة الشيخ سعد في محلة المزة، واليوم، وبسبب وباء كورونا، باتت تنهي عملها من منزلها.. تضيف: أتقاضى راتبي بالليرة السورية، شأني في هذا شأن كل المواطنين السوريين، فلماذا عليك دائماً سماع هذه “الأسطوانة المشروخة” من التجار؟ ولماذا لا تتم محاسبتهم لاستغلالهم ولممارساتهم التي تجاوزت حدود المعقول؟!
تتابع حديثها: اعتقدت أن من الممكن الاكتفاء ببعض الحلويات وشرائها من السوق، ولكنني في الحقيقة أصبت بالصدمة جراء الارتفاع الجنوني في أسعارها.. حتى تلك الحلويات البسيطة التي كان سعرها معقولاً تضاعف سعرها.. اليوم، البعض ممن أعرفهم ابتاعوا مستلزماتهم من الأسواق الشعبية والبسطات التي تفتقر للنظافة، ما سيؤدي حتماً لأمراض لمن سيتناول منها، والبعض الآخر – ومنهم أنا – قرر أن يصنع حلوياته في منزله علّه يوفر بعض الليرات، مع العلم أن صناعتها في المنزل تحتاج أيضاً إلى وقتٍ وجهدٍ ومالٍ.. ولكن “ما باليد حيلة”!!
إلكثير من العادات الاستهلاكية التي اعتاد المواطن على مزاولتها أصبح بالنسبة له محض خيال، حيث تخلّى معظمهم عنها بسبب عجزهم عن تأمين المال اللازم لها.. شريحةٌ كبيرةٌ من السوريين باتت اليوم تشتري الفاكهة والخضار بالحبة مع شراء الضروري منها فقط، وتغيرت العادات والسلوكيات الاجتماعية والغذائية وطقوس العيد أو التحضير للمدارس أو المونة أو السياحة الداخلية، وحتى السفر من مكان العمل إلى القرى للاستجمام وقضاء بعض الوقت مع الأقرباء.. كل هذا أصبح من الكماليات فكيف بشراء ما لذّ وطاب من الحلويات التي أصبحت أيضاً حلماً عصي المنال، ولكن يبقى المثير للاستغراب والتهكم تصريحات المعنيين عند سؤالهم عن الحلول المقترحة أو عن الخطط التي يعملون لتنفيذها لتأتيك هذه التصريحات صادمة ومنفصلة عن الواقع كالتصريح الأخير لأحدهم بالابتعاد عن شراء الحلويات المرتفعة الثمن وكأن المواطن ذا الدخل المحدود كان بالأساس يقوم بشراء مثل تلك الأصناف.
لينا عدرة