في الحرب النفسية والاقتصادية
على غرار حلقات مسلسل الحرب النفسية الذي شهدنا بعض فصوله المتقدّمة مؤخراً، تشي التهديدات الأمريكية العلنية بمعاقبة حكومات العالم التي ستسعى للمصالحة مع دمشق بأن الرهان الأساسي للحرب مازال ذاته: “الاركاع والاستتباع”، لكن الوسيلة والأدوات تتجه أكثر فأكثر للارتكاز على قائمتين أساسيتين في المرحلة القادمة من الحرب: أولاهما اقتصادية، وثانيتهما نفسية، دون اهمال الجانب العسكري إطلاقاً، وإن كانت التطوّرات الميدانية المتلاحقة لمصلحة الدولة السورية جعلت من عامل الاستثمار به أقل مردوداً من المطلوب.
وإذا كان أمر الحرب النفسية القائمة على ضخ كمية هائلة ومتلاحقة من الشائعات والتحليلات ومن مصادر مختلفة – لمنحها مصداقية كافية – بهدف خلخلة البناء الداخلي السوري من جهة أولى، وزرع بذور الشك في أسس التحالف بين سورية وحلفائها من جهة ثانية، يمكن معالجته بتصريح إعلامي من مصدر مسؤول، فإن أمر الحرب الاقتصادية ليس بهذه السهولة، وهموم المواطن ومعيشته لا تحلّ بتصريح إعلامي لن يقلل من الارتفاع الصاروخي لفاتورة مستلزمات المواطن اليومية، ولا ببيان وزاري عن جولة ميدانية تفتيشية مفاجئة عوقب بنتيجتها بعض التجار الصغار ما دون فئة “الحوت” المشهورة، ولا بصور اجتماعات مكثّفة، ومكيّفة، تخرج بعدها وعود تطمينية تلفزيونية، يكتشف المواطن أن معيشته أصبحت أكثر ضنكاً بعدها، وأن وضعه الاقتصادي أصبح أكثر رداءة وسوءاً مما سبقها.
وإن كنا – نحن وغيرنا – لا نستطيع إنكار دور العامل الخارجي في الضيق الاقتصادي الذي يعانيه المواطن – ويكفي في هذا المجال أن نعرف أن أحد شروط الدعم المالي الغربي، والعربي، للبنان هو إغلاق حدوده مع سورية بصورة كاملة تصديراً واستيراداً – كما لا نستطيع إنكار تبعات الحرب الهائلة على الاقتصاد، أو انكار آثار جائحة كورونا، إلا أننا – نحن وغيرنا أيضاً – نجانب الصواب لو غضضنا البصر عن مسؤولية السياسات الاقتصادية الداخلية فيما وصلنا إليه، وعن الفشل الداخلي في معالجة ما يمكن علاجه ضمن هذه الظروف، سواء على مستوى السياسات الاقتصادية الكليّة أو الجزئيّة، وربما كان الفشل في وضع حد لجشع تجار الأزمات الهائل الذين وجدوا حتى في جائحة مثل “كورونا” وسيلة للنهب المتواصل، صورة معبّرة عما سبق.
قصارى القول: نواجه اليوم “غزوة” اقتصادية واضحة المعالم والأركان تندرج في السياق الأوسع للحرب التي تُشن علينا، “غزوة” يتعاضد فيها القتلة الاقتصاديون الخارجيون – وسيتزوّدون الشهر القادم بسلاح أمريكي جديد يدعى قانون “سيزر” – مع نظرائهم من أعداء الداخل الاقتصاديين المزوّدين بخلطة عجيبة من قوانين قاصرة وغير رادعة بالدرجة المطلوبة، مع جرعة فساد عالية تجعلهم مرئيين ومحميين في الآن ذاته، الأمر الذي يفترض منا الخروج من دائرة رد الفعل والارتباك الواضح نحو المبادرة والمواجهة الدقيقة والحاسمة، وأول خطواتها استعادة دور الدولة التدخلي، وخاصة في مزارع ومحميات واحتكارات أعداء الداخل، التي تفرغ أي جهد حكومي صادق من مضمونه وتقلل من جدواه، وبالتوازي رفع سيف العقاب عالياً ليطال المتجاوز والمخطئ ويتجاوزهما إلى إبعاد المقصّر وأصحاب الأيدي المرتجفة لمصلحة الكفاءات المبادرة ورجال الميدان الاقتصادي الفعلي لا محاضري مكاتب التنظير المكيّفة.
خلاصة القول: الفشل الاقتصادي يرفع، كما يعرف الجميع، من احتمال تطوّرات “نكوصية” في مسار الأزمة السورية، لذلك فإن الحرب الاقتصادية اليوم، على غرار نظيرتها النفسية، هي حرب فعليّة متكاملة القواعد والأركان، وبالتالي لا بد من إجراءات مواجهة حازمة وجازمة وقاطعة إذا لم تستطع أن تؤثّر في قرار الخارج – وذلك أمر ليس في متناول اليد – فإنها، على الأقل، تغلق أمامه ثغرات الداخل، عبر التنظيف الدائم من تجار أزمة وطفيليات فاسدة لا تعيش سوى على دماء الآخرين، وهي بذلك تضعف مناعة القلعة وتجعلها مشرّعة الأبواب، والنوافذ، أمام رياح الحرب النفسية التي تردّد صداها بعنف في الأيام الماضية.. وسيزداد دويّها فيما هو قابل من الأيام.
أحمد حسن