حكمت داوود: الأزياء إعلان انتماء و”سوق الحرير” من أمتع التجارب وأصعبها!!
تألق اسمه كمصمم أزياء في العديد من الأعمال الدرامية الناجحة، وبات وجوده ركناً أساسياً في أي عمل يحتاج ليس لمصمم فقط بل لمبدع تجود يده بما هو مناسب للعمل وشخصياته.. من هنا كان وجوده في مسلسل هام كـ “سوق الحرير” (كتابة حنان حسين المهرجي، وإخراج الأخوين بسام ومؤمن الملا)، الذي يوثق لمرحلة ذهبية عاشتها سورية في فترة الخمسينيات، أمراً ضرورياً لخصوصية هذه المرحلة التي عبّر عنها مصمم الأزياء حكمت داوود خير تعبير، وجعلت كل من يتابع العمل يتمنى أن يعود به الزمن إلى تلك الفترة.
بدائل مناسبة
يؤكد داوود في حواره مع “البعث” أن عمله في مسلسل “سوق الحرير” كان من أمتع التجارب وأصعبها، لأنه كمصمم كان عليه أن يكون أميناً للفترة الزمنية التي يتناولها العمل، وهي فترة الخمسينيات التي اتسمت بالوعي الاجتماعي والانفتاح، وكانت فيها للثقافة والمعرفة والكتاب مكانة كبيرة، وفي الوقت ذاته كان عليه أن يبتعد عن التوثيق الحرفي لأنه لا يقدم عملاً وثائقياً، بل يقدم عملاً درامياً يتطلب من المصمم إضافة بعض التفاصيل النابعة من روح المرحلة لتتناسب مع شخصياتها، وتكون مقبولة درامياً، مؤكداً أن صعوبات كثيرة تواجه المصمم في هكذا أعمال على صعيد الأزياء، وهنا تلعب خبرة المصمم، برأيه، دورها في البحث عن بدائل مناسبة، مشيراً إلى أن قلة خبرة المصمم وعدم معرفته لتفاصيل كل مرحلة زمنية تجعلانه يقع في أخطاء كثيرة.
انعكاس ثقافي
يؤمن داوود بأن الأزياء ليست حاجة اجتماعية وأخلاقية فحسب، بل هي انعكاس ثقافي وحاجة إنسانية بحتة حيكت بإحكام لتتناسب وبيئات معينة في كل زمان ومكان عبر تاريخ المسيرة البشرية، فمن خلال الأزياء يعلن الشخص انتماءه لبيئة ما، ولمكان وزمان وثقافة ما، وفي الدراما تُعد الأزياء انعكاساً مباشراً للواقع المعيش من قبل الشخصيات ضمن الإطار الزمني الذي تفرضه أحداث العمل ومرحلته التاريخية بكل تفرعاته السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية كنقطة انطلاق لتصميم أزياء تساعد على بناء الشخصية وتحديد هويتها، لأن مهمة الملابس في الدراما – كما يرى داوود نوع من الخطاب المُكون لمنطق الشخصية، ففي مسلسل “ضيعة ضايعة” ألبس أسعد القصير نسبياً ملابس فضفاضة، أما جودة فقد كانت ملابسه ضيقة لتكريس فارق الطول بين “الكاركترين”، في حين ألبس شخصية الادعشري في “باب الحارة” التي أداها الفنان بسام كوسا لباساً واحدا مهترئاً ومتسخاً طيلة العمل كتعبير عن الحالة النفسية والاجتماعية التي تعيشها الشخصية، وهذا ما جعل الناس يتفاعلون معها ويشعرون بأنها حقيقية، وفي مسلسل “الخربة”، حيث كان هناك صراع دائم بين جيل الشباب المنفتح والمنطلق والباحث عن الحرية، والجيل القديم المتزمت، تعمّد إلباس العجائز من الجيل القديم ملابس ضيقة من عند الرقبة مثل ملابس شخصيتي أبو نايف وأبو نمر، مع الإصرار على إلباسهما أزياء فلكلورية وتحميلهما ساعات قديمة، وغيرها من تفاصيل الجيل القديم.
“هجرة القلوب إلى القلوب”
قدم داوود من مدينته الصغيرة القامشلي التي يصفها بأنها متحف مصغر بتنوعها الحضاري الذي تكشفه ملابس الناس المختلفة الشبيهة بمهرجان لوني، أو لوحة تشكيلية تعبر شوارع المدينة، ومن خلال دراسته للفلسفة سبر أغوار فلسفة الأزياء المتنوعة، وإذا ما ربط بين الفلسفة والأزياء يجد أن الأزياء هي قيمة جمالية وفنية، وتعتبر هوية للشعب وتعبيراً عن فكره، مبيّناً أن دراسته للفلسفة وسعت مداركه نحو عالم فيه الكثير من الإبداع، وجعلته يلج إلى تفاصيل الحياة، موضحاً أن خطوته الأولى في عالم الأزياء تحققت بمساعدة الفنان عبد الإله فرهود الذي علَّمه ألف باء هذه المهنة بعد أن تعرّف عليه بفضل النثر الذي كان يكتبه، والمليء بالصور الجميلة، فعمل معه في مسلسل “هجرة القلوب إلى القلوب”، لتتتالى بعد ذلك أعماله، ولندرة المصادر المحلية والعربية التي تتعلق بهذا المجال، لم يدخر جهداً في اقتناء كتب تتعلق بتاريخ الأزياء من خلال الأنترنت والمصادر الأجنبية، محاولاً دوماً تجميع ما يلقى اهتمامه، فيطبعها بكتاب يختص بزي كل شعب حتى صارت عنده مكتبة غنية تختص بتاريخ أزياء شعوب العالم.
الجائزة الذهبية
وعن عمله في مسلسل “باب الحارة” الذي حصل عن تصميم أزيائه على الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة 2007، يبيّن داوود أن “باب الحارة” حالة جميلة فيما يخص الأزياء، فتنوع الشخصيات خلال مجموعة من الأجزاء أعطته الخبرة الجيدة في تناول معاني الأزياء وليس شكلها، فرسم شخصيات البخيل واللئيم والشهم و”العكيد”.. إلى ما هناك من صفات، حاول أن يترجمها إلى قيمة معنوية تصل للمشاهد من خلال أولى الحلقات، وهذا ما يعمل عليه دوماً، مؤكداً أن هذا العمل صقل اهتماماته بموضوع البيئة، حيث خاض الكثير من الحوارات والنقاشات مع الأستاذ بسام الملا الذي لم يبخل عليه بالملاحظات التي وضعته على الطريق الصحيح فيما يخص الجانب الدرامي لكل شخصية،
وبيّن داوود أن أعمال البيئة تأخذ الحيز الأكبر من مزاجه واهتماماته لأنها تقدم طريقة حياة، فالأزياء تعتبر انعكاساً مباشراً لثقافة المجتمع، مشيراً إلى أنه على مستوى الدراما السورية قام بتقديم البيئة الشامية والحلبية والساحلية، فغاص في طبيعة حياة أفراد كل بيئة، والألوان والأزياء التي يفضلونها حسب المرحلة العمرية الخاصة بكل شخصية، والمرحلة التاريخية التي يقاربها العمل، منوّهاً إلى أن الدراما لا تقدم نتاجاً توثيقياً بالمعنى الحرفي للكلمة، بل تقدم الفن، مع مراعاة الناحية التوثيقية قدر الإمكان لتقديم نوع من المصداقية، ولأن لكل مسلسل نكهته الخاصة، يستمتع حكمت داوود بكل الأعمال التي تعطيه مساحة في إضافة معنى خاص للأزياء لتناسب الشخصية المكتوبة، وتعبّر عنها وعن حالتها الاجتماعية والطبقية، ولتصل للمشاهد من خلال النظرة الأولى، مؤكداً أن الأعمال البيئية والتاريخية تمنح هذه المساحة أكثر، على الرغم من أن بناء الشخصيات فيها يشكّل تحدياً كبيراً في خلق عدة أشكال وأنماط قد لا يوفرها العمل المعاصر، وهذا ما يجعله يفضل هذه النوعية من الأعمال.
افعل ما تشاء!!
يشير داوود إلى أن أول مرحلة في عمله تكون قراءة نص العمل، ثم رسم الشخصيات في ذهنه، ويتحاور فيها مع المخرج، وبعد أن يتوصلا إلى خيارات مناسبة يبدأ بالتصميم، مؤكداً أن الممثل لا يختار أزياءه، فهذه مهمة المصمم في اختيار أزياء للشخصية تتوافق مع الحالة الدرامية لها، وليس للفنان ورغبته في أن يظهر بصورة جميلة، ولذلك حينما يعمل مع الفنانة منى واصف مثلاً تقول له: “افعل ما تشاء، أثق بخبرتك”.
ويختم الفنان حكمت داوود كلامه منوّهاً إلى أنه يمارس الرسم والتصوير الفوتوغرافي، ولديه الكثير من المشاركات في المعارض المقامة داخل وخارج سورية، وكل ما يتمناه اليوم، ولحبه الكبير لبلده، أن يقوم بتصميم أزياء لعمل تدور أحداثه بين كل المحافظات السورية.
أمينة عباس