وحدة تقطير المراح أشعلت رغبة الساحل بزراعة الوردة الشامية!!
دمشق ـ عبد الرحمن جاويش
لم تعد الأعشاب والنباتات الطبية مجرد هواية يمارسها واحد هنا، وآخر هناك، فهي تعد بمستقبل كبير يحمل بين طياته الكثير من الحلول لمسائل معقدة، على الصعيد الصحي، والاقتصادي أيضاً.
الخبراء المختصون في هذا المجال أبحروا في خضم هذا الأمر، وخرج العديد منهم بنتائج جيدة بل وأكثر، غير أن الجهود المبذولة هنا لاتزال تأخذ الطابع الفردي أكثر من المؤسساتي الذي لايزال ضعيفاً، فبقي العمل في هذا الإطار قاصراً إلى حد بعيد، بالنسبة للإمكانيات الكبيرة التي توفرها البيئة السورية، وطبيعة البلاد، فعلى هذه الأراضي هناك آلاف الأنواع من الأعشاب والنباتات الطبية، هكذا يقول رئيس اتحاد فلاحي دمشق محمد خلوف، وتم توثيق 3500 نوع من بينها حالياً، فيما هناك ما لا يزيد عن 360 نوعاً فقط ينشغل عليه.
ويرى خلوف أن قطاع النباتات الطبية من القطاعات الواعدة، فمردوده عال جداً، لكن هناك ضعفاً كبيراً في هذا الجانب، ولكن يجب التركيز على خطوط الإنتاج، وطرائق الاستخلاص، تخيل أن الكيلوغرام من مستخلص الوردة الشامية أغلى من الذهب، حيث تصنع منه أغلى أنواع العطور في العالم، فالوردة الشامية ليست رمزاً شاميا أو سورياً ولا حتى عربياً، بل هي رمز عالمي بامتياز، وتاريخي واقتصادي.
وتعتبر خطوة الإعلان عن إقامة وحدة لاستخراج زيت الوردة الشامية في بلدة المراح بريف دمشق، بتكلفة 400 مليون ليرة، والتوسع بزراعتها في جميع المناطق، هامة جداً في الإطار السليم المنتظر للاستثمار الأفضل لمثل هذه الثروات الثمينة، وشبه الضائعة، والجميل في الأمر أنه بمجرد الإعلان عن إقامة هذه الوحدة لاستخلاص زيت الوردة الشامية، أبدى العديد من المزارعين في الساحل تصميمهم على زراعتها، لكن الكنوز الدفينة من النباتات الطبية والعطرية في سورية لا تقتصر على الوردة الشامية بطبيعة الحال، فآلاف النباتات الأخرى المتبقية لها ميزة تنافسية عالمية نتيجة طبيعة الأرض، وهي من أهم النباتات الطبية في العالم، من البابونج إلى النعناع، إلى الزوفا، واليانسون، والميرمية، والكمون، والكراويا، والشيح، والسوسن، والقريص، والزعتر، والبصل البري، وحبة البركة، والعيصلان، والختمية، والغار، والحرمل، والأس، والقبار، والزلوع، والزعفران، وإكليل الجبل، والخزامى، وما إلى ذلك الكثير، وكلها تمتاز بخواص استشفائية، ولكن على نطاق لايزال ضيقاً وبدائياً في أغلبه، لأن طرق استثمار هذه النباتات لا تقتصر فقط على مجرد جنيها وبيعها وتصديرها، أو حتى تجفيفها وطحنها ليتم تناولها على شكل الشاي الأخضر، أو الأسود، كما لا يقتصر استثمارها الأمثل على استخلاص الزيوت منها، فلكل هذه الطرق في التعاطي والاستثمار فوائد جمة، لكن الشيء الأهم هو نبش الكنوز الدفينة في هذه النباتات، والمتمثّلة باستخلاص المواد الطبية والغذائية الفعالة التي يمكن أن تستخدم كمنكهات ومكثفات غذائية، أو كمواد طبية فعالة تدخل بقوة في صناعة الأدوية، وتترجم بشكل واضح حقيقة الطب البديل، لنكون بذلك قد وصلنا إلى أقصى درجات الفائدة من القيم المضافة المتاحة، وفي الحقيقة هذا أمر ممكن جداً، وهو في متناول اليد، إن صحت النوايا، وكانت هناك جدية في التعاطي مع هذه المسألة، وهذا ما سوف نتناوله بالشرح والتوضيح، وبالعودة إلى حديث رئيس اتحاد الفلاحين، يرى أن من أهم الاتجاهات التي حصلت على المستوى الرسمي حتى الآن نحو الهدف المرتجى، يتمثّل بقيام وزارة الزراعة بإدراج الأعشاب الطبية ضمن الخطة الزراعية المعتمدة، وأن هذه الخطوة التي حصلت منذ سنوات قليلة تعتبر منعطفاً حقيقياً مبشراً بالخير، والتأسيس لمرحلة مميزة من العناية بهذه المسألة، بالفعل، أقدمت وزارة الزراعة على اتخاذ هذه الخطوة، ووضعت النباتات والأعشاب الطبية ضمن الخطة.
وفي السياق ذاته أوضح مدير الإنتاج النباتي في الوزارة المهندس عبد المعين قضماني أنه تم التخطيط لزراعة 76319 هكتاراً بالنباتات والأعشاب الطبية، وتوزعت هذه الأراضي في العديد من المحافظات، لكن الملاحظ أن المزارعين أبدوا رغبة كبيرة بالاتجاه نحو هذه الزراعات، ولم يلتزموا بالخطة، بل تجاوزوها بكثير، حيث تمت زراعة 120 ألف هكتار، أي مليون و200 ألف دونم.
هي بالفعل مساحات كبيرة ومفاجئة تشير إلى المردود الكبير والعوائد المجزية التي يمكن أن يجنيها الفلاحون باعتماد هذه الزراعة لقاء المراحل الأولية فقط مما تحمله هذه النباتات من إمكانات استثمارية واسعة، فكيف إذا تم الذهاب نحو تلك المراحل الجوهرية التي تستخلص المواد الفعالة والقيم المضافة أيضاً.
ويرى قضماني أن السبب الكامن وراء هذا الإقبال الكبير على زراعة النباتات الطبية، حيث جرى تنفيذ 158% من الخطة، يعود إلى أن الخدمة الزراعية لهذه النباتات تكون بسيطة، واعتمادها غالباً على الأمطار، وتكاليفها أرخص، كما أن أسعارها بالسوق مجزية، مشيراً إلى أن الإقدام على زراعة هذه النباتات لا يتم عشوائياً، إذ لا تجري زراعتها على حساب المحاصيل الأخرى، لاسيما الاستراتيجية كالقمح والقطن، وإنما تتم زراعتها غالباً في المساحات الشاغرة.