الموسيقا التصويرية والشارة الغنائية في الأعمال الدرامية
تنوعت الأعمال الدرامية هذا العام ما بين الاجتماعي والكوميدي والتاريخي والبيئي، وإذا نظرنا إلى الموسيقا التصويرية التي رسمت تفاصيل كل عمل نرى أنها في بعض الأعمال قد تحررت من بعض القيود التي يفرضها العمل الدرامي على الموسيقا أحياناً، وأحياناً السعي نحو إيجاد موسيقا حرة ومرتبطة بمضمون العمل.
بعض الموسيقيين يعتبرون أعمالهم علامة فارقة في الموسيقا التصويرية، وتتالت إبداعاتهم وتبلورت رؤيتهم المجددة من خلال سلسلة من الأعمال الدرامية، وتمكنوا من تصوير الحدث الدرامي سواء كان تاريخياً أم روائياً أم كوميدياً بأعمال موسيقية تلقى اهتماماً وإقبالاً لافتاً، ويشكل التوزيع الموسيقي هندسة للموسيقا، وإعادة توزيع الموروث الموسيقي مسؤولية تفرض على الموسيقيين التعامل بحساسية وأمانة وحذر باعتبارها تراكماً لسلسلة تجارب موسيقية تنتمي إلى عصور متعاقبة، وليس إلى عصر واحد فقط، فالموسيقا التصويرية لها سحرها ووقعها الخاص داخل النفس، وهي المعادل المسموع للمشهد الفني ومن العناصر الأساسية في صناعة العمل الفني، وتنقل الموسيقا المناخ الذي يعيشه الأشخاص، وتترجم الكثير من التعبيرات الخفية والإيحاءات المساعدة لفهم نصوص وشخصيات العمل، ونرى ترابطاً بين أجزاء العمل وهناك تركيز على التفاصيل، حيث تتناغم رؤية المخرج مع السيناريو وطبيعة المكان والشخصيات وبدمجها جميعها تظهر رؤية المؤلف الموسيقي.
ويحسب الأعمال التي قدمت على مدى سنوات تألق الدراما السورية انفتاح مخرجيها على آفاق واسعة، وعدم ممارستهم السلطة على الفنانين فهم يمنحون فرصة للمؤلف لتقديم رؤية موسيقية بكامل حريته، حيث تطور ذوق الجمهور من جهة وإدراك القائمين على صناعة الأعمال الدرامية الذين تميزوا برؤية فنية وثقافة عميقة يكرسون للموسيقا التصويرية هامشاً هاماً في العمل الفني، وقد انعكس ذلك على تقبل الجماهير لهذه الأعمال ومتابعتها.
أما الشارات الغنائية فتمثل منافسة من نوع خاص فهي جواز المرور الأول لنجاح الدراما التلفزيونية كما تعطي الانطباع الأول عن مضمون المسلسل، وقد انجذب عدد من الفنانين العرب والمطربين لغناء الشارات الدرامية إيماناً منهم بأهمية الأغنية في تشكيل الذاكرة البصرية لدى المشاهد حول العمل الدرامي، وتمر الشارة بعدة مراحل إلى أن تكتمل ففي البداية تتم قراءة النص لتحديد نمط ونوع الموسيقا التي تناسبه، ويتم هذا بالتنسيق مع المخرج على المسودات ومن ثم تبدأ الشارة التي تمثل روح العمل وتمهد له، وقد استطاع كل فنان أن يضع بصمته الخاصة في الأعمال التلفزيونية وطبعها بروح إنسانية فيمازج بين الحب والفرح والألم والحزن. ولكن في هذا الموسم الدرامي لم تكن الموسيقا التصويرية والشارات الغنائية بمعزل عن الهبوط الذي تعاني منه أعمال هذا العام، فكما كان هناك متطفلون على مهنة الدراما كان هناك من تطفل على الموسيقا والشارة الغنائية، فالشارة الموسيقية بما تتضمنه من كلمات ولحن وأداء لا يمكنها رفع سوية أي عمل درامي إذا لم تكتمل عناصره الفنية من مضمون وإخراج وممثلين، رغم أننا رأينا في أعمال هذا العام وجود بعض الأسماء الفنية التي حققت بصمة مهمة في وجدان المشاهد ونالت ثقته، تشارك في أعمال لا ترتقي لتاريخها الفني، وإذا استعرضنا بعض الأعمال التي حقق صنّاعها بصمتهم الفنية وحافظوا على رسالتهم واحترموا المشاهد الذي اعتاد على أصالتها، للأسف هذه الأعمال لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومن الشارات التي تميزت في الأعمال الدرامية السورية نتوقف عند شارة مسلسل “حارس القدس” كلمات الشاعر الكبير يوسف الخطيب وأداء ميادة بسيليس وألحان سمير كويفاتي، أتت متكاملة مع الموسيقا التصويرية للعمل ومضمونه، ومايزال المايسترو إياد الريماوي محافظاً على حضوره لدى المشاهدين، حيث قدم هذا العام التأليف والتوزيع الموسيقي لمسلسل “سوق الحرير” وغناء الشارة لـ “رانيا البسام” وكذلك شارة مسلسل “بروكار” كلمات سامر غزال وغناء الفنان رضا واللحن والتوزيع الموسيقي للفنان سعد الحسيني، وأتى التأليف والتوزيع الموسيقي في مسلسل “مقابلة مع السيد آدم” للموسيقي حازم مسعف جبور، دون غناء لشارة البداية والنهاية والاكتفاء بالموسيقا التي تناغمت مع المشهدية البصرية للعمل ككل.
سلوى عباس