احتكار الأعلاف والتلاعب بأسعارها يزيدان خسائر المربين.. والمستهلك يدفع الثمن!!
تشهد أسعار لحوم الفروج وبيض المائدة ارتفاعاً غير مسبوق، مصحوباً بجملة من الخسائر الكبيرة المتتالية لقطاع الدواجن، حيث عزف نحو 50% من مربي الدواجن عن العمل ضمن سلسلة ارتفاع مستلزمات العملية الإنتاجية. ويبدو أن من تبقى منهم يسير بخطى متسارعة للخروج من العملية الإنتاجية. وعلى الرغم من أهمية ومكانة قطاع الدواجن في موائد الأسر السورية كون اللحوم الحمراء خرجت من قائمة المشتريات، إلا أن تواصل ارتفاع أسعارها اليومية يعد مؤشراً لخروجها السريع أيضاً، لتبقى الإشكالية الأساسية كامنة في معاناة القطاع من عوامل عدة يتقدمها ارتفاع أسعار المواد العلفية واحتكار التجار وتحكمهم بفترات طرحها بالأسواق دون رقابة سعرية، إضافة إلى آلية التسعير غير المستندة إلى الكلف الحقيقية، والتي تساهم في زيادة حجم خسائر المربي، وبالتالي تأثر المستهلك، فهل تتضح الرؤية لدى الجهات المعنية لإمكانية إنقاذ ما تبقى من هذا القطاع الاقتصادي الهام وحمايته من المتلاعبين به؟ّ
إشكالية مركبة
لعل المؤسسة العامة للدواجن هي الحلقة الأساسية المعنية بتوضيح ما يواجه قطاع الدواجن من إشكاليات، والوقوف على آليات المعالجة الناجعة، حيث بين مدير عام المؤسسة سراج خضر أن ارتفاع أسعار المواد العلفية واحتكارها يلعب الدور الرئيسي في الإشكالية التي تواجه مربي قطاع الدواجن والتي تشكل نحو 75% من تكلفة الإنتاج، بالتوازي مع ارتفاع تكلفة باقي مستلزمات العملية الإنتاجية كالأدوية البيطرية واللقاحات والمازوت والغاز وغيرها، مشيراً إلى توقف بعض التجار عن البيع بغرض زيادة الأسعار، وساق مثالاً وصول سعر طن كسبة فول الصويا إلى نحو 750 ألف ليرة سورية، وبالتالي يقدر ثمن 50 طن من فول الصويا بنحو 40 مليون ليرة يتشارك في شرائها عدد من المربين!
كما بلغ سعر كيلو الذرة الصفراء 375 ليرة قابلة للزيادة تبعاً لارتفاع سعر الصرف، وبالتالي يضطر المربون إلى التخلص من قطعانهم بذبج الأمهات والصيصان وبيع بيض التفريخ كبيض مائدة كمحاولة لإيقاف خسائرهم المتتالية، وبالتالي خروجهم من دائرة الإنتاج، في حين يضطر آخرون لاستجرار المواد العلفية بالأمانة، ليتم تسعيرها فيما بعد، الأمر الذي يضاعف فاتورة الخسارة لديهم. وبين خضر أن المؤسسة ترفد السوق بنحو 25% من الناتج الإجمالي، ولديها 40 منفذ بيع على مستوى القطر، حيث يمكنها ضبط من 5 إلى 10% من أسعار الأسواق فقط، ورغم محاولتها توسيع التسويق وفتح منافذ جديدة إلا أن المهمة الأساسية للمؤسسة هي إنتاجية اقتصادية وليست خدمية.
تعويض مادي
وقد حاول بعض المربين توضيح بعض النقاط الهامة لإعادة إنعاش القطاع، من خلال عرض معاناتهم مع تجار الأعلاف المتحكمين بالأسعار، إذ شدد المستشار الفني لغرف الزراعة، المهندس عبد الرحمن قرنفلة، على ضرورة تأمين احتياجات الدواجن من الأعلاف، والتي تشكل ما يفوق 80% من تكلفة الإنتاج، عبر المؤسسة العامة للأعلاف، للحد من تحكم تجار المادة بأسعار الأسواق، إلى جانب مراقبة الصناعة الوطنية لتتطابق مع المواصفات القياسية، إذ أشار إلى قضية التلاعب بنسب البروتين في كسبة فول الصويا المصنعة محلياً ما يؤدي بشكل عام إلى تناقص الإنتاج.
كما اقترح بعض المربين تشكيل لجنة من رئاسة مجلس الوزراء لسبر عدد القطعان الموجودة لدى المربين وتقديم دعم مادي مقدر بـ 3000 ليرة لكل طير، كحل إسعافي سريع كيلا يتم التخلص من الأمهات خلال الفترة القادمة، حيث ينذر استمرار تدهور أوضاع المربين بارتفاع نسبة خروج الـ 50% المتبقية من المربين من العملية الإنتاجية خلال الأشهر القادمة، الأمر الذي يستدعي اجتراج حلول إسعافية لإنصاف المنتج والمستهلك وحماية هذا القطاع الاقتصادي الهام، فعلى الرغم من الإجراءات الحكومية الهامة بالسماح لاستيراد المواد العلفية إلا أن هذه الإجراءات تستلزم وقتاً طويلاً لفض العروض وإجراء المناقصات، والقطاع لا يحتمل هذه الفترة.
حسب التكلفة
كما يشكل تسعير لحوم وبيض الفروج حسب التكلفة الحقيقية عاملاً هاماً للحد من استنزاف قدرة المربين على مواصلة إنتاجهم، فقيام وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتسعير المنتج حسب قانون العرض والطلب، وليس وفق التكلفة، يساهم في تذبذب الأسعار وخلق حالات احتكار وتخزين للمادة، ما يؤدي إلى قفزات سعرية كبيرة بفترات قصيرة تؤذي المستهلك والمربي في آن معاً، فسعر صندوق البيض يكلف 28 ألف ليرة، بينما يباع حاليا بنحو 23 ألف ليرة، والخسائر المتتالية للمربي تترجم على أرض الواقع بقلة الإنتاج، وبالتالي قلة المعروض من المادة، لتكتمل الحلقة بارتفاع سعري جديد يطال المستهلك، فلابد من البدء بتسعير حقيقي لمستلزمات الإنتاج من المواد العلفية وعدم تركها لأمزجة التجار والمحتكرين لإعطاء نتائج ملموسة إيجابية تنصف المنتج والمستهلك. كما يعتبر منح قروض دون فوائد أول المطالب المحقة للمربين لضمان استمرار عمل القطاع، على أن تدفع الفوائد من صندوق المعونة الاجتماعية – بحسب قرنفلة – حيث يمكنها تحقيق أرباحها من خلال حماية أهم أركان الأمن الغذائي (كون اللحوم الحمراء خرجت من مظلة القدرة الشرائية للمواطنين)، والحيلولة دون الوصول إلى مرحلة استيراد اللحوم والبيض بالقطع الأجنبي.
فاتن شنان