أول إحياء ليوم القدس دون القائد سليماني
كل عام يحلّ يوم الجمعة الاخير من شهر رمضان بإحياء يوم القدس الذي يعمّ بلدان العالم إذ يذكرنا بنكبة احتلال فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني.
اليوم لم يعد خافياً على أحد أنّ زرع هذا الكيان المصطنع كان بمؤامرة من الغرب الاستعماري، فالمخطوطة التي بيد “السير بلفور” التي نُشرت عام 1952 ضمن مجموعة الوثائق السرية لوزارة الخارجية البريطانية لسنة 1919 إلى 1939 أفصحت بوضوح النوايا المدبرة: “لا ننوي أن نأخذ بعين الاعتبار مشاعر سكان فلسطين، أربع قوى عظمى متعهدة بالصهيونية على حق كانت أو على باطل، وسواء كانت جيدة أو سيئة، للصهيونية أهمية تفوق إرادة 700 ألف عربي ساكن هذه الأراضي”.
كما أن اللورد “بالمرستون” رئيس وزراء بريطانيا الاسبق تحدث عن أهمية فلسطين بأنها “حلقة اتصال ثلاثة قارات في العالم، بل مفتاح بوابة العبور إلى آسيا، وأية منطقة أخرى في العالم لا تملك موقع أرض فلسطين.
في السياق نفسه، كتب “حاييم وايزمن” عام 1914 في صحيفة مانشستر غارديان: “إذا سيطرت بريطانيا على فلسطين وشجعت لإسكان اليهود في فلسطين سيتواجد خلال 20 إلى 30 عاماً ما يقارب مليون يهودي في فلسطين وسيعمرون البلد ويشكلون خط حفاظ لقناة سويس”.
إذاً نحن أمام مشروع استعماري دخيل في المنطقة يعمل لصالح القوى الاستعمارية، ومحاربته واجب وطني وقومي وديني وإنساني، ويجب قراءة يوم القدس من هذا المنظور.
يوم القدس العالمي كل عام يذكرنا بقائدين عظيمين لهما الفضل في توجيه بوصلة الامة العربية والإسلامية باتجاه القدس وفلسطين الحبيبة أبداً حتى تحرير الأرض المقدسة كاملة ودحر الصهاينة المحتلين ليعودوا حيث جاؤوا، إنه القائد الراحل حافظ الاسد الذي منذ أن قاد الحركة التصحيحية في سورية جعل القضية الفلسطينية قضية مركزية لسورية، وربط تحديد مصير الجولان بالقضية الفلسطينية، وارتقى بسورية من دولة الانقلابات وعدم الاستقرار إلى دولة قوية تلعب دورا أساسياً في القضايا الاقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وقد دعمه في ثوابته هذه الشعب السوري والشعوب العربية، ولاسيما الشعب الفلسطيني الذي لم ولن ينسى مواقف الرئيس الراحل الثابتة والحازمة.
و ليس خافياً على أحد موقع القضية الفلسطينية في فكر الرئيس الراحل حافظ الأسد، فهو كان الداعم والمساند لاستعادة أرض فلسطين ولاسترداد الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني إذ أعلن هذا الموقف أكثر من مرة وفي كلمته في 8/3/1975 قال: ” إنّ نضالنا في سورية كان ولا يزال مرتبطاً بالقضية الفلسطينية وإنه لن ينفصل أبداً عن نضال شعب فلسطين مهما تكن المصاعب ومهما تكن التضحيات “.
في نفس الاتجاه أكد لمراسل مجلة نيوزيك الاميركية في مقابلة أجريت معه: ” لا يمكن أن نتخلى عن حقوق الشعب العربي الفلسطيني مقابل أي شيء فقضية الشعب العربي الفلسطيني قضيتنا بكل ما تعنيه هذه الكلمة ونضالنا لا يمكن أن يكون من أجل الجولان إلا بقدر ما هو من أجل حقوق الشعب الفلسطيني “.
هذا الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في فكر الرئيس الراحل ما كان موقفاً سياسياً مؤقتاً ولمصالح آنية، بل كان أصلاً ثابتاً إلى أن يسترد الشعب الفلسطيني كامل حقوقه، وفي هذا المعنى أكد الرئيس الراحل في 4/5/1985: ” سنظل مع شعب فلسطين، سنظل مع قضية فلسطين ستظل سورية سنداً قوياً لكل من يريد أن يكافح من أجل فلسطين سنقدم إلى المناضلين الفلسطينيين وسنقاتل إلى جانبهم كي تعود لشعب فلسطين حقوقه كاملة “.
وبالاتجاه نفسه، كان الإمام الخميني الراحل يعيش همّ القضية الفلسطينية منذ اغتصاب أرض فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني، فحينما كان مرجعاً دينياً معارضاً لسياسات نظام الشاه، ركَز في مشروعه النضالي على موضوعين أساسيين : العلاقات الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني، والتبعية المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية، فكان لكلماته وخطاباته أثر كبير على الشعب الإيراني حيث اعتبر أن اسرائيل ” غدة سرطانية ” يجب استئصالها من الوجود، و أنَ دعم الشعب الفلسطيني واجب شرعي، وأفتى بجواز صرف الأموال الشرعية لمساعدة المقاومة الفلسطينية، وأكّد أن كل مصائب المنطقة من أمريكا.
وبسبب مواقفه هذه تم اعتقاله وسجنه ونفيه إلى خارج البلاد، إلا أن كل هذه الامور لم تثنه عن التأكيد على مواقفه، حيث كان يتحدث إلى الشعب وتنتشر خطاباته لتصل إلى أغلب شرائح الشعب في كل مناطق إيران.
وبعد انتصار الثورة الاسلامية وعودة الإمام الخميني إلى إيران ازدادت مواقفه إصراراً تجاه القضية الفلسطينية وازداد تشدداً في الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني؛ إذ قام بإجراءات لصالح هذه القضية، وبعد عدة شهور من انتصار الثورة الاسلامية أعلن يوم القدس العالمي في يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كل عام لتكون القدس عنواناً لوحدة المسلمين، ويكون يوم القدس مناسبة جامعة للأمة، ويخرج القضية الفلسطينية من إطارها الضيق كقضية تخص شعباً بعينه أو الأمة العربية ، وجعلها قضية المسلمين الأولى وفي الوقت نفسه قضية انسانية بامتياز.
من أجل هذا كان يدعو المسلمين وأحرار العالم إلى الاحتفال بيوم القدس لأجل تحرير فلسطين، وقال في بيان إعلان يوم القدس بتاريخ 7/8/197 ” إنني أدعو مسلمي العالم عامة والحكومات الإسلامية الی التضامن والإتحاد لقطع يد هذا الغاصب وحماته كما أدعو مسلمي العالم كافة إلی إعلان آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً للقدس وأن يعبروا من خلال المراسم التي تقام عن تضامن المسلمين الدولي في الدفاع عن الحقوق القانونيه للشعب الفلسطيني المسلم “.
كنّا وما زلنا، نحيي ذكرى هذين القائدين العظيمين مؤسسا استقلال وحرية وعزة وكرامة بلدينا في مثل هذه المناسبة ولاشك في أنّ لهما الفضل في تحرير فلسطين والقدس الشريف في المستقبل غير البعيد إن شاء الله بيد سلالة المقاومة من الذين تعهدوا بالمحافظة على إرثهما لنا وهو عزّة وكرامة واستقلال وحرية شعوبنا، ولابد ونحن نتحدث عن المقاومة الباسلة من ذكر القيادات العظيمة التي استشهدت على درب تحرير فلسطين وفي مقدمتهم الشهيد القائد قاسم سليماني والذي يتم الاحتفال بيوم القدس لأول مرة في غيابه، والذي رحل شهيداَ بيد الغدر الأمريكي والصهيوني دون أن يؤثر ذلك على عزيمتنا و يثنينا قيد أنملة عن مواصلة نهج المقاومة حتى تحقيق كامل اهدافه في استقلال بلداننا وتحرير الأراضي المحتلة و طرد الغزاة والغرباء المتواجدين في منطقتنا، وتأمين حياة كريمة لشعوب امتنا كما كتب الشهيد في رسالته إلى المقاومة الفلسطينية قبل استشهاده ” أطمئن الجميع أن إيران لن تترك فلسطين وحيدة مهما تعاظمت الضغوط واستحكم الحصار”.
إن ما نراه من قوة فصائل المقاومة الفلسطينية و خاصة المتواجدين داخل الأراضي الفلسطينية هو ثمرة سنوات من العمل الدؤوب والمستمر للشهيد القائد سليماني الذي رسم استراتيجية ارتقاء بمستوى القدرات الذاتية لفصائل المقاومة وأشرف شخصياَ على تنفيذ هذه الاستراتيجية، وأمّن للمقاومين كل ما يلزم ليصلوا إلى ما وصلوا اليوم من القوة.
ونحن اليوم نفتقده وتفتقده فصائل المقاومة في ذكرى يوم القدس العالمي، ولكن هذا الشعور يزيدنا عزماَ وإرادة لمواصلة نهج المقاومة حتى تحقق كل أهدافها المشروعة.
أبو الفضل صالحي نيا
المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية في سورية