“المركزي” يكثف الحملات الميدانية.. رسالة أولى لاختبار استجابة الأسواق!؟
أخرجَ الارتفاع الكبير والمفاجئ لسعر صرف الدولار مؤخراً المصرف المركزي عن صمته المستمر منذ إصدار المرسومين 3 و 4 للعام 2020، وما شكلاه من صدمة إيجابية “مؤقتة” لجهة منع التداول بغير الليرة السورية أو حتى نشر أسعار وهمية للقطع الأجنبي، حيث أصدر بياناً حذّر فيه المتلاعبين بالليرة السورية عبر تكثيف الحملات الرقابية، فيما انقسمت الآراء حوله بين من توسّم خيراً بهذا الإجراء، ومن رآه مماثلاً للإجراءات الاعتيادية في مواجهة أي تطور دون تقديم حلول جديدة توائم تقلبات المرحلة.
مهمات مكثفة
المركزي الذي اعتبر في بيانه أن استغلال المضاربين والمتلاعبين بالليرة السورية للأوضاع الناجمة عن جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية هو السبب الرئيسي في تراجع سعر صرف الليرة السورية على نحو كبير خلال الفترة الأخيرة، آثر أن يتحرك عبر مفوضية الحكومة لدى المصارف وهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والضابطة العدلية لتنفيذ مهمات ميدانية مكثفة على جميع مؤسسات الصرافة وشركات الحوالات المالية، وكذلك على المتعاملين بغير الليرة السورية تنفيذاً للمرسوم 3 تاريخ 18/1/2020 بهدف ضبط العمليات المالية، وبيّن المصرف استمراره باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة باستعادة ضبط أسعار الصرف وعودة السوق إلى الاستقرار ودعم الاقتصاد الوطني، وعدم التواني عن اتخاذ أي إجراء بحق من يتلاعب بالليرة السورية.
غير مبشرة
سلاح الجولات التفتيشية الذي أشهره “المركزي” سرعان ما حقق انخفاضاً ملموساً في سعر الصرف في أول أيام تطبيقه، غير أن هناك من يخشى أن تقتصر الإجراءات على هذا الحل فقط في ظل مرحلة من التقلبات تتطلب خططاً إسعافية جريئة ومتواصلة، ولاسيما أن تجاربنا الطويلة مع هذا “السلاح” في مختلف القطاعات ليست مبشرة، فهو وإن أحدث فرقاً في أول أيام تطبيقه إلا أن ذخيرته سرعان ما تنفذ في وقت قصير؛ والأمثلة هنا، كثيرة بدءاً من المصرف ذاته في حملاته على مؤسسات الصرافة، أو يمكن النظر إلى أي قطاع آخر وما حققه من الاعتماد على الحملات وحسب، سواءً في الجمارك أو الطاقة أو التجارة وغيرها! وهنا تتجه الرؤى والمقترحات إلى الاستمرار بحزم بموضوع الرقابة مع اتخاذ إجراءات إضافية تعيد للسوق شيئاً من الاستقرار.
لجم التغيير
يعتبر الخبير الاقتصادي د. ماهر سنجر أن البيان الصادر من مصرف سورية المركزي بمثابة رسالة موجهة إلى السوق، فعادةً ما ترسل المصارف المركزية رسائلها للأسواق لتحريكها بالاتجاهات التي تخدم أهداف السياسة النقدية، وبهذه الرسالة يعلن المركزي أولى الإجراءات المستندة إلى المهام الميدانية على شركات الصرافة، حيث أثبتت هذه الطريقة سابقاً أنها قادرة على لجم سرعة التغيير الحاصل، ومن المفترض أن يلي هذا البيان مجموعة من الإجراءات اللاحقة غير المعلنة، فبحسب الاستجابة لهذه الرسالة سيحدد المركزي الخطوات المقبلة وفقاً لطبيعة الأسباب التي أدت لذلك.
تريث
ورغم أن السرعة مطلوبة في اتخاذ القرارات لمواجهة المتغيرات السريعة، إلا أن التسرع وعدم الدقة مرفوضان – وفقاً لسنجر – في ظل ظروف وحصار اقتصادي ضاغط ودول جوار تعاني اقتصادياً، فمازال “المركزي” يلتزم التريث لاختبار استجابة الأسواق، حيث إن الرسائل الصادرة عنه لن يقتصر أثرها على المصارف وسعر الصرف وحسب، بل ستطال أبعادها أسعار مختلف المواد لارتباط هذه الإشارات بمحدودية إجازات الاستيراد، ولأثرها بشكل أو بآخر على حجم الصفقات المنفذة في سوق دمشق للأوراق المالية.
تنسيق
ومع الإجراءات المتخذة لمواجهة فايروس كورونا، يرى سنجر أنه لا يمكن لـ “المركزي” إلا أن يغير من بعض أولوياته لتتوافق مع قرارات الفريق الاقتصادي الذي خصص 100 مليار ليرة لمواجهة الفيروس، وضمان توفر المعقمات والمعدات الطبية والمواد الغذائية في الأسواق. وعامة، تختلف الأولويات في ظل الأزمات عن الأوقات العادية والأولوية اليوم لتوفير السلع وتخزينها لمواجهة قانون قيصر، موضحاً أن مواجهة التغيرات الحاصلة تتطلب أن يتحلى الجميع بحس المسؤولية، فلا يمكن لـ “المركزي” المواجهة دون باقي الوزرات المعنية ودون التنسيق بين السياسات المالية والاقتصادية والنقدية، فالمطلوب اليوم تشكيل خلايا أزمة في كافة المؤسسات، وتجاوز ما كان متبعاً من إجراءات تتصف بالروتينية من خلال أعمال خلايا الأزمة ذات الصلاحيات والاستثناءات اللازمة للتحرك بسرعة وعدم التقييد بكم الروتين الموجود، مشيراً إلى ضرورة تغيير طريقة التخطيط المتبعة من خلال اعتماد التخطيط الجزئي القصير الذي لا يزيد عن ثلاثة أشهر، وذلك لمواجهة التغيرات السريعة على مستوى الاقتصاد المحلي والدولي، وبناءً على نتائج هذه الخطط يقيَّم أداء الفريق المسؤول عن إنجازها.
حلول
كما يدعو سنجر إلى فرض مفهوم إدارة المخاطر على كافة القطاعات للمحافظة على الأصول المتوفرة والتعامل مع كافة أشكال الأخطار لتجنب الهدر في الموارد، ولاستباق إجراءات قانون قيصر والنتائج التي ستترتب عنه، فضلاً عن تعديل السياسات المالية والنقدية للاستفادة من القوى الاقتصادية الجديدة التي ستظهر بعد انتهاء جائحة كورونا، خاصة مجموعة دول البريكس، لافتاً إلى أن أحد أهم الإجراءات التي يفترض اتخاذها هي إعادة النظر بدعم الفلاح لتعزيز الأمن الغذائي، بالإضافة إلى حماية الإنتاج الوطني ومكافحة التهريب، وعدم التوقف عن محاولة ضمان حقوق المودعين السوريين في الخارج.
ريم ربيع