تغير المناخ والخسائر المفاجئة في التنوع البيولوجي
إعداد : عناية ناصر
تظهر آثار تغير المناخ على الأنواع والنظم البيئية بوضوح، فالتغيرات القطبية التي تؤثر في التوزيع الجغرافي للأنواع، وحرائق الغابات الكارثية ، وتبيض الشعاب المرجانية بكثرة ، كلها تحمل دلالات على تغير المناخ.
التنوع البيولوجي في المستقبل
تشير التوقعات إلى أن أزمة المناخ ستزداد سوءاً إلى حد كبير ما لم يتم تخفيض الانبعاثات بسرعة، إذ من المتوقع أن يخسر ما يصل 50 ٪ من الأنواع معظم ظروفها المناخية المناسبة بحلول عام 2100 في ظل أفضل السيناريوهات المتعلقة بانبعاث الغازات الدفيئة. لكن ما تزال هناك حاجة إلى إجابات عن بعض الأسئلة الأساسية، فعلى سبيل المثال، متى ستتعرض الأنواع لظروف مناخية خطرة محتملة؟ وهل سيحدث هذا في العقد القادم أم في وقت لاحق من هذا القرن؟ هل يتراكم تعرض الأنواع تدريجياً، بمعنى نوع واحد في كل مرة؟ أم يجب توقع قفزات مفاجئة بتجاوز الحدود المناخية الملائمة لأنواع متعددة؟
إن فهمنا لزمن وكيفية حدوث الاختلالات المفاجئة للتنوع البيولوجي بسبب المناخ يبقى محدوداً، لأن توقعات التنوع البيولوجي تركز عادةً على توقعات فردية للمستقبل. نحاول هنا اتخاذ نهج مختلف، مستندين إلى التوقعات السنوية لدرجة الحرارة ولهطول الأمطار من 1850 إلى 2100 لأكثر من 30.000 من الأنواع البحرية والبرية لتقدير زمن تعرض الأنواع لظروف مناخية يحتمل أن تكون خطرة.
وبناء على هذه التوقعات، يمكن تقدير متى يمكن لتغير المناخ أن يتسبب في حدوث خسائر مفاجئة في التنوع البيولوجي، يمكن أن يحدث ذلك في هذا القرن وفي وقت أقرب بكثير مما كان متوقعاً. يشير هذا التحليل الجديد إلى أن نسبة عالية من الأنواع في النظم البيئية المحلية يمكن أن تتعرض لظروف مناخية محتملة الخطورة في وقت واحد.
وبدلاً من الانزلاق ببطء إلى أسفل منحدر تغير المناخ ، تواجه العديد من النظم البيئية الوصول إلى حافة الهاوية.
خطر فقدان التنوع البيولوجي
إن فقدان التنوع البيولوجي المفاجئ بسبب موجات الحرارة البحرية المؤدية إلى ابيضاض الشعاب المرجانية جار بالفعل في المحيطات الاستوائية، ومن المتوقع أن يزداد خطر تغير المناخ الذي يتسبب في الانهيارات المفاجئة للأنظمة البيئية للمحيطات في الثلاثينات والأربعينيات من هذا القرن، ووفقاً لسيناريو ارتفاع انبعاث الغازات الدفيئة، فمن المتوقع أن ينتشر خطر فقدان التنوع البيولوجي المفاجئ على الأرض ، مما يؤثر على الغابات الاستوائية والأنظمة البيئية الأكثر اعتدالاً بحلول 2050.
تستند هذه التوقعات إلى نماذج درجات الحرارة المسجلة تاريخياً لإيجاد الحد الأعلى الذي يمكن لكل نوع البقاء وفقه. وعلى حد علمنا، فإنه بمجرد ارتفاع درجات الحرارة ووصولها إلى مستويات لم تشهدها الأنواع من قبل، يصبح لدى العلماء أدلة على أن قدرتها على البقاء حية باتت محدودة جداً. من المحتمل أن تكون بعض الأنواع ، مثل تلك التي لديها أجيال قصيرة جداً، قادرة على التكيف، لكن بالنسبة للأنواع ذات الأجيال الأطول – مثل معظم الطيور والثدييات – فلن يستغرق الأمر إلا بضعة أجيال فقط قبل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة. عندما يحدث ذلك ، قد تكون قدرة الأنواع على الخروج من هذه المشكلة محدودة.
ما أهمية ذلك؟
تمثل الخسائر المفاجئة للتنوع البيولوجي نتيجة تغير المناخ تهديداً كبيراً لرفاهية الإنسان، إذ تعتمد نسبة كبيرة من الناس في كثير من البلدان على بيئتهم الطبيعية المباشرة للحصول على دخلهم وأمنهم الغذائي، ومن شأن الاختلال المفاجئ في الأنظمة البيئية المحلية أن يؤثر سلباً على قدرتهم على كسب الدخل وتأمين الغذاء ، مما قد يؤدي بها إلى الفقر. على سبيل المثال ، تتعرض النظم البيئية البحرية في منطقة المحيط الهادئ الهندي والكاريبي والساحل الغربي لأفريقيا لاحتمال الخطر المفاجئ في وقت مبكر من عام 2030. وفي هذه المناطق يعتمد مئات الملايين من الناس على الأسماك التي يتم صيدها كمصدر أساسي للغذاء، كما إن عائدات السياحة البيئية من الشعاب المرجانية هي أيضاً مصدر رئيسي للدخل. في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، من المتوقع أن تتعرض أجزاء كبيرة من غابات الأنديز والأمازون وإندونيسيا والكونغو للخطر بدءاً من عام 2050 بموجب سيناريو مستويات الانبعاثات العالية.
يمكن للخسارة المفاجئة لمجتمعات الأحياء أن تؤثر سلباً على الأمن الغذائي للناس في هذه المناطق، كما يمكن أن تقلل من قدرة الغابات الاستوائية على المدى الطويل على امتصاص الكربون ، كما يمكن أن تفقد طيورها وثدياتها التي تقوم بمهمة نثر البذور.
خطوات عاجلة
تسلط هذه النتائج الضوء على الحاجة الملحة للتخفيف من تغير المناخ، إذ يساعد هذا العقد على التخفيض السريع لانبعاث الغازات الدفيئة على إنقاذ آلاف الأنواع من الانقراض، وحماية المكاسب التي تمنح الحياة للبشر. إن الحفاظ على التسخين العالمي تحت 2 درجة مئوية يأخذ منحنى خطرا على تغير المناخ والتنوع البيولوجي، إنه يقوم بذلك من خلال تقليل عدد الأنواع المعرضة للخطر بشكل كبير، وكسب المزيد من الوقت للأنواع والأنظمة البيئية للتكيف مع المناخ المتغير – سواء كان ذلك من خلال إيجاد موائل جديدة أو من خلال تغيير سلوك تلك الأنواع ، أو بمساعدة جهود الحفاظ عليها التي يقوم بها الإنسان.
هناك أيضاً حاجة ملحة إلى تكثيف الجهود لمساعدة الأشخاص في المناطق عالية المخاطر على تكييف سبل عيشهم مع تغير المناخ في النظم البيئية المحلية. يمكن أن يوفر توقع أين ومتى تتعرض الأنواع لتغير المناخ الخطير طوال القرن إنذاراً مبكراً، يحدد المناطق الأكثر عرضة لخطر الاضطراب البيئي المفاجئ، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الحاجة الملحة للحد من استخدام الوقود الاحفوري، ويمكن أن تساعد هذه النتائج في توجيه جهود الحفاظ على الأنواع، مثل إيجاد مناطق محمية جديدة كملجأ مناخي.
يمكن لهذا النهج المرن القائم على الحفاظ على النظام البيئي أن يسهم في مساعدة الناس على التكيف مع المناخات المتغيرة. ومن الأمثلة على ذلك زراعة أشجار “المانغروف” لحماية المجتمعات الساحلية من الفيضانات المتزايدة.
إن القدرة على تحديث هذه التنبؤات والتحقق المستمر منها يمكن أن تزيد، مع ظهور الاستجابة البيئية لتغير المناخ، من توقع المخاطر المناخية المستقبلية على التنوع البيولوجي وهي أمر أساسي لإدارة أزمة المناخ.