ارحمونا من هذا القبح!!
سلوى عباس
لا أدري ما العبرة من حالة العنف التي تتضمنها أعمالنا الدرامية إذ كان القاسم المشترك في مسلسلات هذا الموسم الرمضاني حتى أخذ يشكل ظاهرة بغاية الأهمية أصبحت تؤثر تأثيراً مباشراً على الأطفال والمراهقين إلى درجة أصبحت فيها الحاجة لمشاهد العنف بالنسبة لمنتجي ومخرجي البرامج والمسلسلات الدرامية التلفزيونية كالملح في الطعام – كما يقولون – إذ وجدوا في تلك المشاهد عناصر أساسية لتسويق بضاعتهم وأسلوباً مهماً لتشويق جمهور الأطفال لمضامين أعمالهم، فهناك نسبة لا بأس بها من الأطفال يتركون بمفردهم دون أي رقابة على ما يشاهدون في التلفاز، وأعتقد أن مسؤولية لجنة الرقابة في التلفزيون تتجلى في حذف المشَاهِد التي تحمل العنف، فالفن ليس تصويراً للواقع حتى لو كان فيه عنفاً، بل الفن يبحث عن معادلات توصل الرسالة بلغة فنية.
والمشكلة التي غالبا ما يتم الحديث عنها هو أن لجنة القراءة التي تقوم بقراءة النص قبل التصوير وتضع ملاحظاتها عليه، هي لجنة مستقلة عن لجنة المشاهدة التي تقوم بمشاهدة المسلسل بعد انتهاء التصوير، مما يسبب الكثير من الإرباكات التي يكون ضحيتها المشاهد، وبالمقابل هناك اتفاق على أن العنف غير محبذ على الشاشة، ولا يمكن أن يكون عنصر تشويق إذا لم يكن وجوده مبرراً وموظفاً توظيفاً يخدم الفكرة المراد طرحها، ووجود ظاهرة العنف في الدراما يعود إلى أمرين اثنين قد يتجلى الأول بالإجماع على أن مرآة الدراما تعكس العنف على صفحتها، وأن مجتمعنا يتحول نحو شيء من العنف ربما بسبب الحاجة، أو الضجر، أو انعدام الأمل، وهذا مؤشر لخطر يهددنا جميعاً، وربما يكون هناك أمر آخر لطغيان العنف هو أن شيئاً انعكس علينا باللاوعي، من خلال ما نشاهده على شاشات التلفزيون من عنف غير طبيعي بسبب الحروب والاقتتالات التي تتعرض لها الشعوب، لكن بكل الأحوال هذا نذير خطر يجب الالتفات إليه، خاصة وأن بعض المخرجين يضعون بعض مشاهد العنف في الشارة ليشدوا الجمهور إلى عملهم، لكنهم لا يعرفون أن هذه المشاهد تعجب البعض ومرفوضة من قبل البعض، وهنا المسؤولية تقع على عاتق المخرج أولاً وبالدرجة الثانية على الأهل الذين يجب ألا يدعوا أطفالهم يسرحون بخيالهم، بل يجب توعيتهم لما يشاهدون، إضافة لخطورة طول مدة مشاهدة الأطفال للتلفزيون لاسيما البرامج التي لا تتناسب مع أعمارهم فإدمان الأطفال على مشاهدة الدراما وما تتضمنه من عنف كما أشارت الدراسات الحديثة سيؤدي إلى اهتزاز البناء القيمي لديهم، إذ نتيجة متابعة الأطفال لدراما الكبار أظهرت عندهم سيطرة القيم المادية والكراهية وحب الذات والحقد، بينما تراجعت قيماً ايجابية أخرى كالثقافية والعلمية دون أن نغفل تأثير الإدمان والعنف على النمو العقلي والمعرفي عند الطفل، فالدراما سلاح ذو حدين علينا الانتباه إلى انعكاساته السلبية والإيجابية حتى نكون منصفين في تقييم هذا الفن الذي استأثر باهتمام شريحة كبرى من المجتمع.
فيا كتاب الدراما وصناعها.. الفن حالة رقي وسمو، فلتكونوا بمستوى هذا الرقي ولترأفوا بحال الناس ومعاناتهم وتقدموا عبر هذا الفن النبيل حوارات حول مستقبل سورية وغدها، حوارات راقية تمثل الشرائح كلها، وتطهر المجتمع من آثامه، ولتتوقفوا عن إنتاج القبح بحجج غير مقبولة ولامنطقية، واتقوا الله بهذا الوطن الذي يستحق إبداعات أدبية وفنية ترقى لمستوى ثقافته وتاريخه.