كُوَى
عبد الكريم النّاعم
– أمر يحيّرني وهو أنّ ماكتبه المفكّرون العرب، أعني المصنَّفين مع التقدّم، وهم كُثُر، تمتدّ نتاجاتهم على مساحة الأرض العربيّة، ومَن يدقّق في معظم ما كتبوه يجد توصيفا سليما، وغوصا بعيدا، ونباهة لافتة، وهذا ما فعله كتّاب عصر التّنوير في أوروبا، فلماذا لم يؤدّ الفكر العربي إلى ما أدّى إليه الفكر التنويري الغربي”؟!!
= لست أزعم أنّ لديّ إجابة كافية وافية، لا قبلها ولا بعدها، ولكنّني أرى أنّ الفكر التنويري في أوروبا قد ساهم في نشر الوعي، تمهيداً لمرحلة تلتْه، وهي المرحلة التي تبنّت فيها الدّوَل الغربية تلك المقولات، واستلهمتْها في تطبيقاتها الاجتماعية، الاقتصاديّة، التربويّة، بمعنى أنّ (الدولة) صاحبة القدرة، هي التي اختارت تلك الأفكار، بعد أنْ حُسِمتْ مسألة الكنيسة، ولم تعد تُشرف، ولو أدبيا، على تنصيب الملوك، ومباركتهم، وتأييدهم، ولستُ أدعو إلى نسخ التجربة، فلكلّ بلد خصوصيّته، ولا بدّ من ابتكار الحلول التي تناسب تلك الخصوصيّة، وفي هذا يتّسع القول كثيراً”.
***
– هل ترى أنّ مؤسساتنا الثقافيّة، على تنوّعها، وامتداد رقعتها الجغرافيّة، تملك أيّة خطّة منهجيّة للخروج من حالة أنّ النشاط الثقافي شيء إجرائيّ، للدلالة على أنّنا نعمل، وكان من ذلك هذا الطوفان من الرداءات التي تُقدَّم باسم هذه المؤسّسات، وهي بذلك تلعب دورا غير مقصود، ربّما، في تشويه القيمة الأدبيّة، والذائقة الفنيّة”؟!
= قبل الإجابة لابدّ من الإشادة بعدد من مفاصل وزارة الثقافة، وفي طليعتها الهيئة العامّة السوريّة للكتاب، وبعد هذا أقول أن ثمّة نشاطات نوعيّة، عميقة، ومدروسة، ومسؤولة، ولكنْ إذا قسناها بحجم الرداءات التي ذكرتَها ما تكاد تبين، وأعتقد أنّ على قيادات المؤسّسات الثقافيّة أن تقوم بوضع برامج مدروسة، يخطّط لها مَن هم من أهل الاختصاص، والوجدان الثقافي المسؤول، مع مراعاة الخصوصيّة في كلّ محافظة، وبمشاركة من مثقّفيها، وعلى القيّمين على رأس كلّ مركز ثقافيّ، أو مؤسّسة ثقافيّة، أن تتقيّد بتلك الخطّة، المعروف أنّ جميع الوزارات تضع خطط عملها وتطالب بتنفيذها، وهذا يعني أن يُختار للمواقع الثقافيّة أُناس مثقّفون، مشهود لهم بالكفاءة والوطنيّة، وأصرّ على مفردة “الوطنيّة” لأنّ أحداث الحريق العربي أثبتت أنّ عددا غير هيّن بين الذين كانوا من “أعلام الثقافة”!! قد انحاز إلى جانب “العراعير”، وضاربي “الطناجر”!!
***
– يلفتني أمر له من الحضور وحرارة الوجود ما يجعل منه شارة ذات أهميّة، في سياق مواجهاتنا، في التصدّي للهجمة الصهيو – أمريكيّة الأعرابية، وهو أنّ إيران، وهي دولة يعبّر عنها اسم ثورتها “الثورة الإسلامية”، هذا البلد مع تمسّكه بالإسلام، لا يمكن وضعه في مرتبة واحدة مع بقيّة معظم الدول الإسلامية، بمعنى أنّ “الدين” لديها لم يقف عائقا دون تقدّم البلد، وهو الذي خرج من واقع الحكم الشاهنشاهي المرتبط بعجلة الغرب، ومن رُكام حرب دمّرت ما دمّرت، وها هو ،خلال أربعين عاماً، استطاع أن يبتكر من الأسلحة الدفاعيّة ما يجعل الخصوم يحسبون له ألف حساب، والتقدّم العلميّ لديه بلغ مرحلة راقية، حتى أنّ معظم اعتماداته على ما يخترعه أبناؤه، في مختلف المجالات، ولعلّ الكثيرين شاهدوا ذلك البرنامج الذي قدّمته محطّة الميادين (من الداخل)، والذي تحدّث فيه أحد الخبراء عن الاستنساخ، وأنّهم يستنسخون أغناما ومعزى تلد في العام مرتين، ويعملون بنجاح على مسألة العلاج بالخلايا الجزعيّة، فلماذا لم يُكبّلهم “الدّين” كغيرهم”؟!!
= السؤال مهمّ، ودقيق، ويحتاج إلى الكثير من التفريعات، والوقفات الصادقة المسؤولة، وذات الحساسية، لاسيّما في ظرف كالذي نحن فيه، ولكنّني، من وجهة نظر شخصيّة، أرى أنّ العلّة ليست في “الدّين”، بل في “فهم” الدّين، بل في كيف نجعل الدين لا يصطدم بحقائق التطوّر، ومتطلّبات التقدّم، وبما يتناسب مع روح العصر الذي نحن فيه، وبما يلبّي حاجات الأمّة المرحليّة، كتأسيس للمستقبل الذي نتطلّع إليه”.
aaalnaem@gmail.com