الحرائق تكشف خللاً في حماية القمح ومطالب بصندوق شعبي لتعويض الخسائر!!
يتكرر مشهد الحرائق في السويداء للعام الثاني على التوالي، وقد يكون من السذاجة الحديث عن وضع خطة إستراتيجية للتعامل مع تلك الظاهرة اليوم، والتي يبدو أنه مخطط ومدبر لها بشكل محكم لضرب محصول استراتيجي له ارتباط وثيق بلقمة عيش المواطن – ونقصد به القمح – إضافة إلى الأشجار المثمرة. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المعنية والرديفة لها من دفاع مدني وإطفاء وزراعة وخدمات فنية وأهالي، إلا أن تلك الجهود تصب في خانة التعامل مع الحالات الطارئة بعيدا عن الاستراتيجي المخطط له، فلا طرق نارية موجودة ولا فواصل بين الحقول منفذة ولاحراسة متابعة،متجاهلين أن فاتورة الوقاية أقل بكثير من فاتورة العلاج.
فسحة أمل
يقول هادي وهو أحد المزارعين الذين تعرضت مساحات واسعة من أراضيهم المزروعة للحرائق: الأرض هي مصدر الدخل الأساسي لي وأنتظر موسمها من عام لعام .. هادي الذي خسر نحو 60 دونما جراء الحرائق يصف خسارته بـ “خربان البيت”، مطالبا بتعويض يعطي فسحة أمل للمزارع تجعله يفكر بالعودة إلى الأرض مجدداً.
وبينما تطالعنا الأخبار القادمة من مناطق زراعة القمح عن حريق هنا وحريق هناك، كثيراً ما نسمع عن إجراءات لحماية هذا المحصول الاستراتيجي، فمحصول القمح جزء أساسي من معادلة تحقيق الأمن الغذائي، ويشكل عنواناً أساسياً من عناوين الصمود ضد أي هجمة يتعرض لها الوطن. ومن هنا أدركت الجهات المعنية الأهمية المتزايدة لسلعة القمح، فعملت على دعمه، وتأمين كافة مستلزمات إنتاجه للفلاحين، ومع ذلك نجد اليوم أن هناك تقاعسا عند أول اختبار في حماية هذا المحصول، وقد سبقته حالة تراجع في عملية المواءمة بين النمو السكاني والطلب المتزايد على مادة القمح وعملية التوسع في زراعته؛ ولذلك انتقلت المحافظة من مرحلة الفائض إلى الحاجة..
عدم كفاءة
وليد الحمود من مكتب الأمانة في المحافظة أكد أن إدارة الأزمات هي أهم ما يميز المسؤول المثابر خاصة في ظل الحروب والجائحات، وتكرار الأزمة هو دليل على فشل المعني بإدارة الأزمة بطرح الحلول والعمل على استدراكها، مضيفا أن موضوع حرائق المزروعات يتكرر للعام الثاني في محافظة السويداء والجميع متفق أنها بفعل فاعل، وأعتقد أن التقصير سببه المعنيون بالشق الزراعي والمسؤولون عن حماية الفلاح، وهذا التقصير حتما غير مقصود وإنما لعدم الكفاءة. وقدم الحمود “حسبة” بسيطة حيث كان من الممكن تعيين ألفي حارس براتب ٥٠ ألف لمدة شهرين بحصيلة ٢٠٠ مليون لحماية المحاصيل الاستراتيجية، وأجزم أن الدولة لن تتوانى أبداً عن تقديم أكثر من هذا المبلغ بكثير لحماية المحاصيل الإستراتيجية وحماية الفلاح..
وأضاف الحمود أن علينا أن نتعلم من الدروس ولا يجوز تحميل الفلاح مسؤولية حماية المحاصيل والحل هو بتظافر الجهود.
أضرار متصاعدة
طبعاً من الصعوبة اليوم حصر الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي خلفتها الحرائق، خاصة وأن المسلسل مستمر والأضرار تتزايد بشكل يومي إذا لم نقل ساعي.
وحول الأضرار الحالية يقول مدير زراعة السويداء المهندس أيهم حامد أن الحرائق التي شبت خلال الأسبوع الماضي والتي وصلت إلى حوالي ٢٨ حريقاً، خلفت وراءها خسائر كبيرة بالمحاصيل الحقلية والأشجار الحراجية والمثمرة، إذ بلغت المساحات المتضررة والمزروعة بالقمح والشعير حوالي٤٣٠٠ دونم.
وأضاف: الحرائق ألحقت أيضاً أضراراً بالأشجار المثمرة, إذ بلغت المساحات التي طالتها النيران حوالي ٤٦٨دونماً من الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة، إضافة لذلك فالنيران طالت أيضاً ٢٥٠٠ دونم بمواقع حراجية،حيث كانت المساحات الحراجية الأكثر تضرراً هي موقع محمية الضمنة، وتفاوتت الأضرار في الحراج بين الضرر الكامل و الجزئي ليتجاوز عدد الأشجار المتضررة 12 ألف شجيرة حراجية حديثة النمو .
صندوق شعبي
“الله يعوض علينا وعليك”، هي جملة طالما اعتاد أبناء السويداء على قولها في إطار المواساة عند سلسلة الاحباطات التي أصابتهم خلال عاميين متتاليين.. ومرة أخرى يواسي المزارعون أنفسهم بعد أن طالت الحرائق مساحات واسعة من حقولهم حاصدة بشرى موسم خير وملحقة خسائر كبير لاتعوض في بعض تفاصيلها، ويبقى السؤال: ماذا عن التعويض لمزارع يسعى لتأمين محصول استراتيجي يتعلق بلقمة المواطن؟
النظام الداخلي الحالي لصندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية لا يضم في بنوده الحرائق، وبالتالي لا يمكن التعويض على الحرائق كونها غير مدرجة ضمن صندوق التخفيف من آثار الجفاف و الكوارث الطبيعية. بالمقابل برزت نداءات على مواقع التواصل الاجتماعي لإحداث صندوق شعبي لتعويض المزارعين الذين تضررت محاصيلهم واحترقت مواسمهم سواء المحاصيل الزراعية أو الأشجار المثمرة
قرارات مستعجلة
هناك مقولة ترافقنا دائماً، ونعتز بها، وغالباً ماتكون مصدر حماس في خطابات مسؤولينا، وهي “من ملك الرغيف ملك القرار”.. طبعاً هذه المقولة كانت عنواناً أساسياً لإستراتيجية تحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة في مجال إنتاج القمح، ولذلك كانت الإجراءات الصارمة من قبل الدولة لدعم، والحفاظ على المحصول، والتوسع به. وقد تكون حماية هذا المحصول من الحرائق عبر تجهيز خطوط وممرات لتسهيل مرور سيارات الإطفاء وتأهيل كوادر حراجية لتنفيذ إجراءات الحيطة والحذر ووضع خطط لتعشيب الأماكن القريبة من الحراج والمحاصيل الحقلية والأشجار المثمرة بالتعاون مع المزارعين ومنع الاتجار بالحطب من قبل دائرة الحراج كي لا يستفيد المتسببون بذلك وتعويض الفلاحين عن خسائرهم جراء الحرائق.
رفعت الديك