بين يَهْوَه و زارادشت وأخناتون ….
ثمّة ديانات تاريخيّة خيّرة، انتشرتْ وتوسّع نفوذُها طرداً بالتّوازي مع انتشار حضارتها وشساعة جغرافيّتها وسماحة وإنسانيّة مبادئها كـالديانة “الأخناتونيّة المصريّة، والزّرادشتيّة الفارسيّة” الديانتان الأقرب إلى التّوحيد، منهما إلى الشّرك، نراهما إمّا اندثرتا، أو في طريقهما إلى الاندثار. بينما هناك ديانات أخرى ذات رموز شريرة، متعالية تسيطر عليها النزعة العنصريّة، العرقيّة ويصرّ معتنقوها المهووسون بأنّهم شعبُ الله المختار، كـ التوراتيّة الصّهيونيّة، أتباع الإله الدّمويّ “يَهْوَه” التي، نراها ما تزال حاضرة، على مدى هذا التّاريخ الطّويل، بل وتحاول أن تنافس على موقع الصّدارة حتى في العصر الحديث. لكأنّها تحسب نفسها ديانة عالميّة كبرى!. رغم أنّها لا تملك من مقوّمات الاستمراريّة الرّوحيّة والفكريّة والإنسانيّة الشيء الكثير. إلّا أن هرمونات الشّحذ السياسي والاقتصادي والإعلامي التي يمتلكها أصحابها أو قل مستثمروها. هي من أعطاها هذا الوهم بالعملقة والتّمدّد. وهذه عقدة نفسيّة يعاني منها صغار الشأن دوماً، أصحاب الخواء الرّوحي، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي، الذين يسيطر عليهم الشّعور بالاضطهاد والقهر التّاريخيين لسببٍ أو لآخر. فـ”يهوه” إله الإسرائيليين التّوراتيّ القديم، الذي كما قِيل: بأنّ النبي “موسى” هو من نقل عبادتَه إلى الإسرائيليّين، عن المديانيّين، بعد أن تزوّج إحدى نسائهم. وبالمناسبة هناك بعض الدّراسات التاريخية الباحثة بشؤون الأديان، تقول بأنّه حتى النبي “موسى” ليس إسرائيليّاً، بل ينحدر من أصل مصري. مع ذلك يصوّر الأدب التّوراتي “يهوه” إلهاً محارباً يقود الجيوش السماويّة ضدّ أعداء القبائل الإسرائيليّة الجرّارة، كما يوحي رواة التوراة. يبطش وينتصر ويطرد الأعداء، ويسحقهم الخ.. ذاك الإله العنيف، المدمّر، لا تؤيد وقائعُ التاريخ وحفريّاتُه حضورَه القويّ، ولا انتشارَه الوسيع أو سيادتَه على معتقدات شعوب المنطقة أبداً. فالكنعانيّون السكان الأصليّون لفلسطين، كان لهم آلهتُهَم ومعتقداتُهم المختلفة التي لم تتأثّر بهذه الهيمنة المزعومة لإله الغطرسة والشرور هذا، لكنّ الدعاية التوراتيّة وأتباعها من صهاينة العصر الحديث، لا يملّون من التّرويج والتّأكيد على هذه العظمة الوهميّة. بينما انتشار تعاليم وعبادة ذاك الإله الأسطوري الصّغير، لم تتعدّ حدود تلك البقعة الجغرافية الصغيرة من فلسطين التاريخيّة. إله موتور، آمنت به قبائل يهوديّة قليلة العدد، تعيش عقدة الاضطهاد والنقص تجاه الآخرين، استوطنت فلسطين في الألف الأوّل قبل الميلاد. ومع كلّ ذلك نرى راية هذا الإله “السياسي” ما تزال ترفرف عالياً في المحافل الدوليّة حتى الآن. بينما “أخناتون” أي المخلِص للإله الواحد “آتون”، الفرعون المصري زوج الملكة “نفرتيتي” واسمه “أمنحوتب الرابع” الذي دعا إلى عبادة “آتون” التوحيديّة، وبنى له معبداً في “تلّ العمارنة” وسط مصر. والذي حاول أن يأخذَ موقعه في ذاكرة المصريّين القدماء بدل “آمون” المكرّس في مدينة “طيبة” القديمة. لم يسمح له كهنة الدين السلفيّون “أتباع آمون” بالانتشار، حتى في ذلك الزمن، رغم قوّة الدولة المصريّة وقوّة حضارتها آنذاك، لذلك تراجع الناس عن عبادته بعد وقتٍ قصير، بمجرد وفاة “أخناتون” الغامضة وعادوا إلى عبادات أسلافهم السّابقة. بالمناسبة اسم “فرعون” أطلقه الآراميون والعرب والعبرانيّون على حكام مصر، كصفات تقديسيّة لمنصب الحاكم باعتباره ابن الإله والنائب له في حكم مصر وأصله “برـ عو” أي البيت العالي، أو البيت العظيم الذي يقيم فيه الملك. وقد تكنّى بلقبه العديد من ملوك مصر القدماء الذين أدهشوا العالم الحديث ببراعة هندستهم المعماريّة، التي تجلّت في بناء الأهرامات وفنّ التحنيط والفلك وغيرها. وقد تشبّه به رؤساء العديد من دول العالم المعاصر ليشار إليهم باسم المكان الذي يسكنونه، بالقول “سيّد البيت الأبيض” أي الرئيس الأمريكي، وسيّد “الكرملين” أي الرئيس الروسي، و”سيّد الإليزيه” أيّ الرئيس الفرنسي.
أمّا “زارادشت” الفارسي فقد دعا بدوره إلى عبادة إله واحد هو “أهورا مزدا” إله الخير والمحبّة والنور والسماء. وانتشرت ديانته بقوة بعد اعتناق الإمبراطور الفارسي “دارا الأول” لها، ليجعلها الديانة الرسمية للإمبراطوريّة الأخمينية الفارسية المترامية الأطراف والمتعدّدة الشعوب، والتي أخذتْ عنها الديانة اليهودية ذاتُها، الكثير من المقولات، المتعلّقة بالجنة والنار والشيطان والملائكة والعالم الآخر، التي لم تكن معروفة في اليهوديّة من قبل، كما قِيل. كما أثّرت أفكارها بفلاسفة الإغريق الكبار أمثال “أفلاطون، وأرسطو”. هذه الديانة المهدّدة بالانقراض، لم يبق من أتباعها إلا قلة قليلة، تقدّر بمئتي ألف نسمة موجودين في العاصمة طهران. وثمّة أعداد أخرى قليلة في الهند وباكستان وأفغانستان. بينما يظهر حاليّاً “يهوه” الربّ “السّوبرمانيّ” للقبائل اليهوديّة القديمة، بصيغ مختلفة في لغات العالم المتعدّدة وكأنّه ربّ الأرباب المعظّم، وذلك بدعم من الصهيونية العالمية التي جعلتْ معظم سكّان العالم يردّدون اسمه من خلال موقع الانترنت المعروف باسم “ياهو” وهو أحد أشكال لفظ الاسم بالإنكليزيّة. هذا فضلاً عن تأسيس الكثير من الجمعيّات التي تحمل هذا الاسم أو ما يشبهه كـ “أصدقاء يهوه” على سبيل المثال، لا الحصر.
أوس أحمد أسعد