خطورة.. وخطوات!!
خطورة الوضع الاقتصادي الاجتماعي للمواطنين السوريين ناتجة، في جزء كبير منها، عن غلاء أسعار فاتورة احتياجاتهم الغذائية الضرورية، غلاء لم تشهده بلادنا سابقا، لأنها تكنى – حقيقة – ببلاد الخير والخيرات، لناحية تنوعها وتعددها… وفي ظل هذا الوضع لابد من القول إن المواطن السوري يستحق الاهتمام والرعاية بأقصى معانيها. واستعادة قدرته الشرائية التي تآكلت بسبب الحرب القذرة على بلاده لفترة طويلة، ومازالت، بأشكال وألوان متعددة، تقتضي اعتماد خطوات عدة وملحة التطبيق والتنفيذ..
أولاها: محاربة الغلاء الفاحش والحلقات الطفيلية الوسيطة.
ثانيها: دعم الفلاح بكل ما لكلمة دعم من معنى، بحيث يجعله متمسكاً بعمله في أرضه، وعدم تركه لها والنزوح للمدينة، الأمر الذي يسبب عبئاً كبيرا لا طاقة للوطن على تحمّله. بل على العكس، يجب تشجيع الزراعة ودعمها بشكل ملموس وجلي، لكي يعود الفلاحون – الذين تركوا الزراعة – إلى أراضيهم وزراعتها.
ولعل ذلك يكون بشراء مواسم الفلاحين بأسعار مجزية وعادلة، حيث تقوم الدولة لاحقاً ببيعها للتجار بهدف التصدير، وبتوزيع كميات منها على الجغرافية السورية لبيعها بأسعار تحددها الدولة، لأنها هي التي اشترت، وبالتالي هي العارف ببواطن الأسعار، مع اعتبار الأولوية هي للتوزيع الداخلي على المواطنين (اكتفاءً ناجزاً)، وهذا ينسحب على جميع المنتجات السورية الحرفية والصناعية، دون منازع.
ثالثها: إن التشريعات التي تعاقب البيع بأسعار زائدة أو عدم الإعلان عن أسعار، يجب دراستها من جديد لجهة إلغائها أو تعديلها، انطلاقاً من الواقع الميداني للأسواق التجارية. ومثلا، كيف لبائع في مدينة السلمية أو في مدينة الزبداني، أن يعلن عن أسعار السلع لديه، إذا كان تاجر الجملة يعطيه فاتورة بأسعار متدنية، بينما يأخذ منه مبالغ أكبر بكثير مما سجله بفاتورة بائع المفرق؟! وعليه، كيف لبائع المفرق أن يعلن عن أسعاره؟! هل يعلنها كما هي صادرة عن تاجر الجملة مع إضافة هامش ربحه القانوني؟ فتكون خسارته كبيرة، وهي الفارق بين المبلغ الذي دفعه للتاجر والتكاليف المتنوعة، وبين سعر المفرق القانوني، الأمر الذي يجعل البائع في حالة تدهور مالي مستمر يقوده إلى الإفلاس التدريجي ومن ثم الخروج من السوق، وبالتالي زيادة المعاناة نتيجة قلة البائعين، والإتجاه نحو أسواق احتكارية!؟
استنادا لما سبق، فإما الرقابة على تاجر الجملة أولا، وإلا فإن ملاحقة بائع المفرق بجريمة البيع بسعر زائد تصبح خطأ فادحا في أبعادها الإستراتيجية، مع الأخذ بعين الاعتبار تموج الأسعار نتيجة انخفاض أو ارتفاع قيمة النقد الوطني، والسماح لبائع المفرق بزيادة أو خفض أسعاره استناداً لتغيرات أسعار تاجر الجملة والقدرة الشرائية للنقد الوطني، حتى لو كانت بضاعته قديمة وعلى أسعار قديمة.
لكن ما تقدم لا يعني إعفاء بائع المفرق من مسؤوليته، إذا باع بسعر يتجاوز التكلفة الفعلية الحقيقية، بعد إضافة هامش ربحه القانوني.
رابعها: إذا كانت منتجاتنا الزراعية والصناعية والحرفية قليلة ولا تكفي لجلب القطع الأجنبي، فإن الحل هو بتوجيه الدعم للاستثمار الزراعي والصناعي، من أجل زيادة المطارح الإنتاجية من خلال تسهيلات ضخمة ومتعددة، وليس من خلال إنقاص حصة المواطن منها، لأن إنقاص حصة المواطن لصالح التصدير، وبحجة الحاجة للقطع الأجنبي، هو انتهاك دستوري لحقوق المواطن السوري، إضافة لانعكاسها زيادة في الأسعار والاحتكار!
قسيم دحدل
qassim1965@gmail.com