ممنوع من النشر
د. نضال الصالح
يصدر الكتاب عادة، في أي من دول العالم، إما عن جهة ثقافية رسمية أو شبه رسمية، أو عن دار نشر خاصة، ويخضع عادة قبل صدوره إلى ما يُسمّى قراءة، هي في الحقيقة والواقع رقابة حفاظاً على وحدة هذا المجتمع أو ذاك، وتماسكه، وعدم تعرضه لمكوّن من مكوّناته، اثنياً أو دينياً أو مذهبياً. وعادة أيضاً ما تكون هذه الرقابة معنية بما يصطلح عليه في الأدبيات الماركسية بالثالوث المحرم، الجنس والدين والصراع الطبقي، وفي النقد الأدبي بالمقدسات الثلاثة، الاجتماعي والديني والسياسي.
الرقابة حقّ، وما مِن دولة مهما زعمت من الديمقراطية وحرية التعبير، تقدّم تنازلاً، ولو جزئياً، عن هذا الحقّ. غير أنّ ما ليس حقاً أن يقوم بفعل الرقابة، أو القراءة كما يحلو لبعضهم وضع قناع لهذه المفردة، أن يكون الرقيب / القارئ أقلّ كفاءة معرفية من مؤلف الكتاب إذا كان هذا الأخير فكرياً أو مما ينطوي تحت عباءة النقد، أو مَن هو أقلّ قيمة أدبية من المبدع إذا كان الكتاب أدباً، شعراً أو قصة أو رواية أو… إذا كانت الجهة المعنية بهذا الفعل تحترم نفسها، أو إذا شاءت أن تدلّ على احترامها لنفسها، وأن تؤكد أداءها هذا الدور المنوط بها خالصاً من أيّ شائبة، ومن أيّ اختلاطات يمكن أن تدفع بجسد المعرفة والإبداع إلى ما قد يجد هذا الأخيران معه نفسيهما في حال لا يُحسدان عليها، بل في حال تعوّق تقدّمهما، وتمنع عنهما الكمية اللازمة من الهواء لبقائهما على قيد الحياة.
إنها لكارثة، وأيّ كارثة، أن تكون الرقابة / القراءة محكومة باعتبارات غير معرفية أو أدبية، شخصية تجعل من فاعل الفعل، الرقيب أو القارئ، خصماً للمفكر أو الباحث أو الناقد أو الأديب قبل البدء بالقراءة، حتى لتتجلّى الرقابة / القراءة معه بوصفها تصفية حساب مع صاحب الكتاب، وليست تقويماً منصفاً لمحتواه. ومن تلك الاعتبارات أيضاً أن يكون هذا الفاعل هو ممّن أشرنا إليه من قبل، أي أقلّ كفاءة معرفية أو قيمة أدبية من صاحب الكتاب، فالأولى ضرورة لقراءة / رقابة قادرة على الدفاع عن نفسها في حال المنع من النشر أو التداول، كما الثانية ضرورة أيضاً لذلك، وسوى ذلك لا يعني سوى قراءة / رقابة كسيحة، ولا تمتلك من أدوات الدفاع عن نفسها أكثر من عود من القشّ، وسواه يمكن أن يعني أيّ شيء سوى الفعل نفسه الذي يؤدي واجبه بوصفه مسؤولية وليس بوصفه امتيازاً من جهة، وفعلاً دالاً على قيم ومبادئ لا صورة من صور الوهن أو التشوّه التي تفتك بهذا المجتمع أو ذاك من جهة ثانية.
إنّ الرقيب / القارئ يجب أن يحقق ثلاث صفات ليكون جديراً بوصفه كذلك: النزاهة التي تنأى به عن الكيدية والاعتبارات الشخصية والمواقف الناجزة، والتفوّق المعرفيّ على الكاتب أو الأديب، والتخصص في مجال المقروء، وغياب أيّ من تلك الصفات يتجلّى فعل الرقابة أو القراءة معه ومن خلاله بوصفه فساداً عن سابق إرادة وتصور، بل هو أشدّ فساداً من أيّ فساد.