الفضاء الأزرق…؟!
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، واقتحامها حياة الناس بمختلف مستوياتهم وفئاتهم العمرية، منهية عصر الكتاب والاهتمام به، والذي لم يعد كما كان يقال عنه (خير جليس، خير صديق…) ليصبح آخر اهتمامات الشريحة الأكثر انتشارا وأهمية في المجتمع اليوم ونعني بذلك الشباب الذين استسلموا بيسرٍ وسهولة لهذا الفضاء الأزرق، القادم إلينا مقتحماً عقولنا، أفئدتنا، سكوننا.. الفضاء الأزرق الافتراضي المبني على أرض هشّة رخوة.. رمال سرعان ما تتحرك وتنقل هؤلاء الشباب إلى ضفاف وأماكن مجهولة، أماكن لا يحمد عقباها.. تغيّر تفكير الناس، وشكّل هذا القادم الجديد هوسا وأرقا عند الكبار والصغار،عند الرجال والنساء، فتحول الخليوي إلى رفيقٍ دائم ونديم لا يمكن التخلي عنه، أصبح الخليوي أعز الأصحاب وأوفى الأصدقاء، وأفضل الندماء، ورفيق السهرات والمشاوير و…..!
مع انتشار الفيسبوك ظهرت موجات متلاحقة من الصفحات والمجموعات والمنابر والتي تهتم بالأدب -كما يزعم أصحابها- فكانت الملتقيات الأدبية والروابط والأقلام والنوادي والمنابر وغير ذلك من أسماء ومسميات تتنطح للثقافة والأدب و…. حتى الآن يبدو الهدف مبررا ونبيلا مع ملاحظاتنا العديدة على بعض هذه الملتقيات والتي أفرزت طبقة غير منتهية ولا أعتقد أنها ستنتهي من (الأدباء والشعراء والكتّاب و…و..) وابتدعت هذه الملتقيات مسابقات وسجالات ومباريات وكرنفالات وأسواق.. ولا سوق عكاظ..!! أضف إلى انتشار ظاهرة (الشاعرات) من مختلف الأصناف والألوان: العمودي، التفعيلة، النثر، الومضة (الهايكو) بكثافة ملفتة للنظر واللواتي لا يشق لهن غبار…
أما الظاهرة الأكثر غرابة واستفزازا”هي قيام الكثير من هذه الملتقيات والروابط والمنابر بمنح أعضائها شهادات تقدير ودروع تميّز وأوسمة إبداع حتى وصل إلى حد منح شهادات دكتوراه مزيلة بتواقيع وأختام وصور وأحيانا باللغتين العربية والإنكليزية…
هي ظاهرة مدهشة ومريبة بآن معا، هي بحاجة إلى وقف فوري لأن الثقافة وصفات الأديب والشاعر والكاتب الحق لا تأتي من فراغ، لا تأتي من ملتقى هنا أو منبر فيسبوكي هناك… الأديب والشاعر الحقيقي لابد وأن تعانق يداه الحروف ورائحة الحبر وطعم الانتظار، وهذا لا يأتي بين ليلة وضحاها.. إنما يحتاج إلى صبر ودربة ومصداقية وواقعية، وهذا قلما نجده عند من تخرج من جامعات ومعاهد وملتقيات ومنابر(الفيسبوك ) والتي هي اليوم أكثر من (الهم على القلب)؟!!
من خلال متابعتي لبعض هذه الملتقيات والمنتديات لاحظت ما يلي:
أولا: قلة هم من يمتلكون ناصية الكلمة ولهم باع طويل في الأدب ويمتلكون تجربة لها حضورها ولديهم منجز أدبي وينشرون في الصحف المحلية ووجود هؤلاء في مثل هذه المنابر والملتقيات يغنيها ويرفع من شأنها ويعطيها قيمة مضافة بكل تأكيد.
ثانيا: يغلب على التعليقات التي تنُشر حول هذه المادة أو تلك، المجاملات الفجة والعبارات الفيسبوكية الجاهزة وهي لا تعبر بأي حال من الأحوال عن جودة المادة ومكانة صاحبها الأدبية.
ثالثا: لا تخلو بعض هذه الملتقيات من الشللية التي عانينا منها فيما مضى مع بعض الذين كانوا يشرفون على الأقسام والصفحات الثقافية.
بالمختصر المفيد هذه الظاهرة تحتاج إلى غربلة واضحة وعندها سيظهر الغث من الثمين؟!
حبيب الإبراهيم