ضفيرة الشوك
سلوى عباس
ها أنا اللحظةَ مسكون بملامحك تملأ الدنيا حولي كحلم طويل مغزول بلآلئ الحنين، أمد يدي إليك أشدك لأتون حبي وأغلق عليك قلبي.. أحاول أن أفتح شراييني له شركاً، وعلى حين غبطة ألُّمه فيّ وأغلق كل منافذي، ثم أجعل من كل أجزائي له فضاء.
في الليلة الفائتة كنت قريبة من دمي، تعبث أصابعك الناحلة بأوراق عمري وترسمين كما القدر وجودي الآتي، تبعثرين تعبي وساعات نومي وأحلامي الملونة.. وقبل رحيلك إلى الظلال زرعت وردة، وأشواكاً، وقمراً يتساءل لماذا أحبك؟.
مهلاً صديقتي!. لدي كل الأسباب لأصبح عاشقاً، فبغيرك تكون أصابعي ذابلة، وجدول نجواي شحيحاً، وكل الأرض بلا طعم، وأعرف أن لا وقت لنا، والعمر يمضي ولا نار لعظامنا الباردة ولا حكايات، ولا فيئاً لروحي غير هديل يمامك..
لا شيءَ يشدني إلى ماضيّ، وإلى ما تبقى من وقت إلا أنت، لا شيء أخسره عندما تجيئين غير الرماد والأوقات الباهتة ووحشتي، فقد تعلمت أن الدقائق حين نكون معاً تصبح بحراً من الشغف البهي، وزهراً لكل المحبين كي تصبحين نجمتي الوحيدة في سماء انتظاري، فلا تغلقي شفاه الجداول، ولا تمنعي عن الورد بوحك العطري، وعن الأصدقاء ابتسامتك، لا ترحلي، فهذا الصخب الجليل يفتنني فتستعيدني أصابعك تراباً عابقاً بالنشوة، تبعثني حجراً وربما طلقة، ودائماً شمساً زاهية فأحيا.
أتساءل من أينَ يأتي الهواء ولا أذرع لقلبي غير نجومك، ولا متسع لأي شيء وأنت بعيدة، لذا، حين تؤوبين إلى غياهبي يسقط مطر دافئ، ترتعش أشجاري القانطات.. وقتذاك أتذكر جيداً أنني انبعثت من رمل أحزانك، ومن فرحك الخفي. وقتذاك.. تكون الحياة أحلى، وأكون مثل صخر قُدّ من حنان.. فيا امرأة أخرجها دمي من عناده إلى فسحة الزمان، ماذا ستحملين للعصافير الراحلة بعيداً عن قنوط عينيك الحزينتين، أي الأقواس ستختارين لسهامك الذابلة وروحك لا تزال تغلق نوافذها أمام الغيوم..
من يجدل ضفيرة الشوك على عنقي، وينمي أنملة من التوجس على لساني، من الذي يبعدني عن رصيفك الساخن، ومن يبني سوراً من ثلج مؤجل على حواف لقائي بك.. ها أنا ذا متوحد وموحش كحصاة في يباب الغبار، هالك كشظية تصدأ، منفرد كعشبة نبتت أعلى الجدار، مشغول بتعداد أوراقي وأشواقي وتذكر ما تبقى من ركامي، فهل من يد تجمعني.
****
أكاد لا أقوى على إيقاف شريط الذكريات الملون عن التداعي سريعاً أو بطيئاً في خاطري الموجوم بكل التفاصيل.. استرجعه في خيالي مرة إثر أخرى فلا أملّه.. أستعيدك بين يدي بهجة اللحظات ورهبة الوقوف على مشارف الذوبان.. آن تعودين سينبت الورد في زواياه، وتشع سقوفه برائحتك، وقلبي سيصير عصفوراً يطير في أنحائه يغرد اسمك، ويرف حيث تدفئ أنفاسك خلو المكان.. آن تعودين سيصير الليلك لون الأرض والزهر لون الجدران.. ولروحي لون الحياة.
أحاول أن ألم أعشاباً تطفلت على روحك وأمسح عن قلبك ما تراكم عليه من غبار.. أراك دائما في مرمى الشوق.. تتبدين لي حزمة ضوء متألق في امتداد ساكن للظلمة.. كوريقة خضراء أينعت مرة على غصن غابة من شوك ويباس.. كعصفورة من روح واختلاجات تحرك سكون الهواء والأنحاء.. أنت التي تعجنين اليوم خبزاً، وتعتقين المساءات بالحب.. ترسمين للقلب لحظات توهجه وتزينيه ببوح الياسمين.. أنت التي أضمها بين ضلوعي فتبعثين فيّ الشهيق.. لا تؤخري خطوك الداني من الباب.. لا تكلميني فقد خلص الكلام.